أما إذا قال في غير ولايته، أو قال بعد العزل: كنت حكمت لفلان بكذا- لم يقبل؛ لأنه لا يملك الحكم، ولا يكون شاهداً على فعل نفسه.
أما إذا لم يضف الحكم إلى نفسه، بل قال: أشهد أن هذا ملك فلان- يقبل، وكذلك لو قال: اشهد أن فلاناً أقر في مجلسي بكذا- فإنه يقبل؛ لأن هذه شهادة على الإقرار وعلى الملك، لا على الحكم؛ كالقسام إذا قسم مالاً بين رجلين، ثم شهد لأحدهما؛ بأن هذا نصيب فلان- يقبل.
ولو قال: أنا قسمت لم يقبل، ولو قال: أشهد أن حاكماً عدلاً حكم بكذا، فيه وجهان:
أحدهما: يقبل؛ لأنه لم يضف الحكم إلى نفسه، والظاهر أنه يريد حكم غيره.
والثاني: لا يقبل؛ لاحتمال أنه يريد حكم نفسه، فلابد من البيان؛ لتزول الريبة.
ولو ادعى رجل على القاضي حقاً يرفعه إلى خليفته؛ ليحكم بينهما، ولو ادعى عليه أنه ظلمني في الحكم، أو حكم علي بباطل يريد: تغريمه ما أتلف- لا يسمع، ولا يحلف إلا ببينة تقوم عليه؛ كما لو ادعى على الشاهد؛ أنه شهد بغير حق في طلاق أو عتق، يريد: تغريمه ما أتلف عليه بشهادته- لا يسمع ولا يحلف؛ لأن القاضي أمين الشرع، وكذلك الشاهد. ولو سمع عليه مثل هذه الدعوى، لم يعجز أحد عن مثله، ويؤدي ذلك إلى امتناع القضاة عن القضاء والشهود عن الشهادة.
ولو ادعى عليه رجل بعد العزل؛ أنه أخذ مني مالاً بغير حق، أو أقرضه كذا- دعاه القاضي الثاني وحلفه.
وإن ادعى أنه حكم علي بشهادة عبدين أو فاسقين- ففيه وجهان:
أحدهما: يحضره ويسأله، فإن قال: حكمت عليه بشهادة حرين عدلين، حلفه عليه؛ كما لو ادعى على المودع خيانة حلفه، وإن كان أميناً.
والثاني: لا يحضر- وهو المذهب- ولا يحلفه إلا بسنة؛ لأنه كان أمين الشرع، والظاهر أنه حكم بحق.
وإن ادعى خطأ في الحكم؛ فإن لم يكن للاجتهاد فيه مساغ نقضه وإن كان للاجتهاد فيه مساغ؛ مثل: أن حكم عليه بثمن الكلب، أو بضمان ما أتلف على الذمي من الخمر- لم ينقضه.