للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

شهدا مطلقاً ولم يستند الفسق إلى حالة القضاء- لا ينقض القضاء؛ لاحتمال حدوثه بعد الحكم. فإن شهدا أنهما كانا فاسقين يوم الحكم، هل ينقض الحكم؟ فيه قولان:

أصحهما- وهو اختيار المزني- رحمه الله-: أنه ينقض فإذا ثبت عند قاض آخر ينقضه، كما لو بانا عبدين، بل نقضه بالفسق أولى؛ لأن شرط العدالة منصوص عليه. قال الله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَى عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: ٢] وشرط الحرية غير منصوص عليه.

والثاني: لا ينقض؛ لأن فسقه ثبت بالبينة من جهة الظاهر؛ فلا ينقض به حكم نفذ في الظاهر.

وقال أبو إسحاق: ينقض الحكم قولاً واحداً؛ كما لو بان رقيقاً، وما ذكره المزني أنه قال في موضع آخر: إن طلب الخصم جرحه أجله بالمصر وما قاربه، وجعله قولاً آخر في أن الحكم لا ينقض، ليس كذلك، بل قصده الفرق بين ما قبل الحكم وبعده؛ وهو أنه إذا أقام بينة على فسق الشهود مطلقاً؛ فإن كان قبل الحكم لا يحكم، وإن كان بعده لا ينقض؛ حتى يبينوا أنهم كانوا فسقة يوم الحكم.

أو أراد به إذا شهدوا على فسق مجتهد فيه؛ مثل: شرب النبيذ؛ فإنه لا ينقض الحكم.

وقوله: "أجله بالمصر وما قاربه" أراد به: أن المشهود عليه إذا قال قبل الحكم عليه ببينة المدعي: لي بينة على [جرح الشهود- يؤخر الحكم، ويؤجله؛ حتى يأتي بالبينة على] جرح الشهود إذا كانوا بموضع قريب يمكن إحضارهم في مدة سيرة، ولا يؤجل أكثر من ثلاثة أيام. فإذا لم يأت بها أنفذ الحكم؛ فحيث قلنا: ينقض الحكم.

أما في الفسق، أو في الرق، أو الكفر وغيره، فإن كان المحكوم به طلاقاً أو عتقاً، أو عقداً- رده. وإن كان إتلافاً من: قتل، أو قطع استوفاه، أو حداً أقامه؛ فمات فيه- يجب الضمان على الحاكم ويكون على عاقلته، أم في بيت المال؟ فيه قولان، ولا يجب القود؛ لأنه مخطئ، وإنما أوجبنا على الحاكم؛ لأن الشهود يقولون: نحن صدقنا فيما شهدنا، والمشهود له ييقول: أنا أخذت حقي بالحكم، فلم يبق إلا الحاكم.

وإذا ضمن بعاقلة الإمام، أو بيت المال، هل يرجع على الشاهدين؟ نظر: إن كانا فاسقين سراً لا يرجع وإن كانا معلنين أو عبدين، أو كافرين، أو امرأتين- ففيه وجهان: النص يدل على أنه لا رجوع عليهما؛ لأنهم يقولون: نحن صدقنا، فكان من حق الحاكم أن يحتاط ويبحث عن باطن الشهود؛ بخلاف الشهود إذا رجعوا عن الشهادة، يجب عليهم

<<  <  ج: ص:  >  >>