أمراً ظاهراً؛ وهو فراغ ذمته وأن ما في يده ملك له، والمدعي لو سكت ترك وسكوته ودعواه تترك، والمدعى عليه لا يتركه بل يطالبه بما يدعيه.
والدعوى لا تسمع مجهولاً إلا في الوصية. وإن ادعى ديناً، يجب أن يذكر الجنس، والنوع، والصفة؛ وإن ادعى عيناً، يذكر صفتها، ولا يجب ذكر القيمة؛ فإن ذكر، كان أحوط وإن كانت العين تالفة: فإن كان لها مثل ذكر صفتها، وإن ذكر القيمة؛ كان أحوط. وإن لم يكن لها مثل، ذكر قيمتها؛ وإن كان حلياً من ذهب قومه بالفضة، وإن كان من فضة قومه بالذهب؛ وإن ادعى قتلاً ذكر صفته؛ كما ذكرناه في "كتاب الجنايات".
ومن ادعى دعوى صحيحة، تسمع؛ سواء ادعى على دنيء، أو شريف؛ عرف بينهما سبب معاملة، أو لم يعرف.
وقال مالك: لا تسمع دعوى الدنيء على الشريف؛ إذا لم يعرف بينهما معاملة.
ولو ادعى داراً أو عيناً في يد رجل؛ فأنكر المدعى عليه- حلف، وحكم له بها. فلو أقام المدعي بينة بعد ما حلف المدعي عليه، أو قبله- يقضي له. وإنما قدمنا البينة؛ للحديث؛ ولأن البينة حجة صريحة في إثبات الملك، واليد تحتمل الملك وغيره، ويتقوى باليمين، واليمين لا تخلو عن التهمة؛ فكانت البينة أولى؛ فلو أقام صاحب اليد بينة بعد ما عدلت بينة المدعي- تسمع، ويقضي لصاحب اليد؛ لأنهما استويا في إقامة البينة، وترجح جانب المدعي عليه باليد.
وعند أبي حنيفة: لا تسمع بينة ذي اليد، إلا في ثلاث مواضع:
أحدها: في دعوى النتاج وهو أن يتنازعا في دابة أقام كل واحد منهما بينة أنها ملكي أنا أنتجتها.
والثاني: إذا تنازعا في ثوب؛ لا ينسج إلا مرة واحدة، وأقام كل واحد بينة أنه ملكي، أنا نسجته.
الثالث: إذا عزيا الملك إلى شخص واحد، أقام كل واحد بينة؛ أنها ملكي، اشتريته من فلان؛ سميا رجلاً واحداً.
قال في هذه المواضع: تسمع بينة ذي اليد، وترجح؛ فنحن نقيس عليها.
ثم عندنا: بينة الخارجي مسموعة، إذا شهدوا له بالملك مطلقاً، ولم يبينوا السبب. أما بينة ذي اليد، فهل تسمع من غير بيان السبب؛ أنه ابتاعها، أو ورثها، أو اتهبها؟ فيه وجهان:
أصحهما: وهو الظاهر-: تسمع؛ كبينة المدعي.
والثاني: لا تسمع؛ حتى يبينوا السبب؛ لأنهم ربما يشهدون له بظاهر اليد.