أما وقت المقيم المترفه:[فأول وقت الظهر] يدخل بزوال الشمس؛ وهو أن تزول من الارتفاع إلى الانحطاط وتسهل معرفته بأن يقصد خشبة مستوية على مكان مستو من الأرض، فإذا طلعت الشمس يكون ظل كل شيء في جانب المغرب، فما دامت الشمس في الارتفاع، كان الظلُّ في الانتقاص، فإذا استوت الشمس في كبد السماء لا يبقى لشيء ظلٌّ في الصيف في بعض البلاد التي هي على خط الاستواء، فإذا زالت الشمس ظهر أدنى ظل في جانب المشرق، ودخل وقت الظهر، وفي أكثر البلاد يبقى لكل شيء ظل في وقت الاستواء في جانب المغرب، فإذا زالت الشمس تحول ذلك الظل إلى جانب المشرق، ودخل وقت الظهر، فأعلم رأس الظل المتحول من الخشبة المغصوبة علامة لمعرفة وقت العصر، ثم يمتد وقت الظهر إلى أن يصير ظل كل شيء مثله سوى الظل المتحول؛ النصف الأول منه للاختيار، والنصف الثاني للجواز، فإذا صار ظل الخشبة مثلها من موضع العلامة لا من أصل الخشبة، وزاد أدنى زيادة دخل وقت العصر، وتلك الزيادة من وقت العصر، ولكن قلَّما يعرف خروج وقت الظهر إلا بها.
وقال ابن المبارك وإسحاق:
بعد ما صار ظلُّ كل شيء مثله بعد أربع ركعات وقت الظهر والعصر جميعاً.
وقال مالك: بعدما صار ظلُّ كل شيء مثله: دخل وقت العصر، ولا يخرج وقت الظهر حتى يصير ظل [كل] شيء مثليه؛ لأن جبريل- عليه السلام- صلَّى الظهر في اليوم الثاني حين صلَّى العصر في اليوم الأول.
قلنا: كان ذلك على التعاقب؛ لأنه صلاهما في وقت واحد؛ وذلك أنه ابتدأ العصر في اليوم الأول حين صار ظلُّ [كل] شيء مثليه؛ وفرغ من الظهر في اليوم الثاني حين صار ظل كل شيء مثله.
وقال أبو حنيفة:- يمتد وقت الظهر إلى أن يصير ظل كل شيء مثليه، ثم يدخل وقت العصر. والأحاديث حجة علي.
ويمتد وقت العصر إلى غروب الشمس، فإلى أن يصير ظل كل شيء مثليه وقت الاختيار، وبعده وقت الجواز بلا كراهية إلى أن تصفرَّ الشمس. ويكره تأخيرها إلى اصفرار الشمس بلا عذر؛ لما روى عن أنس عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: تلك صلاة المنافق يجلس يرقب الشمس؛ حتى إذا كانت بين قرني الشيطان، قام؛ فنقر أربعاً؛ لا يذكر الله فيها إلا قليلا".