للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

البشرية والإرادات الشخصية، لوجدناها كلها تتجه تلقاء ما يحقق أطماعها ويساير أهواءها بدافع الحرص على اللذائذ، والاستئثار بها، وهم أمام هذه الإرادات والنزعات، لا يرى المرء ما يراه لغيره؛ لأن العقل البشري قاصر الإدراك مهما بَعُد مرماه. والمشرع يجب ألا يكون لهذه الاعتبارات كلها أو لبعضها، بقية من أثر في نفسه، وليس للهوى سلطان عليه، عالماً بما تقتضيه روح التشريع، متنبئاً بما يمليه الغيب وما ستظهره الحقائق. ومعلوم أنه ليس في البشر من تكون له هذه المزايا، وتتحقق عنده هذه الصفات؛ ليقود البشر ويشرع لهم ما فيه صلاحهم في الدنيا والآخرة. ومن هنا، نعلم أن التشريع الذي يصنعه العالم بهم والمطلع على ضمائرهم يكون أحفظ لمصالحهم، وأحكم نظاماً لهم.

٢ - من حيث المُشَاهدة والواقع:

يشهد الواقع - في كل زمان ومكان - بما جاءت به الشريعة الإسلامية، وبما اقتضته من حماية الإنسان من المفاسد والمضار التي تلحق بدينه، وعرضه، ونفسه، وماله، وكل ما يعكر صفوه وهناءه، وبالغت في الحفظ والحرص؛ حتى لقد يكون الشيء في نفسه خالياً من المفسدة.

وهذا ما يدل عليه معنى التشريع المحكم الذي لا يتطرق إليه الفساد أو التناقض من أي وجه، فهل توجد في الشريعة الوضعية مثل هذه الأحكام؟

إننا لو نظرنا في الجرائم المتعلقة بالعرض والنفس والمال، وإلى جزاءات هذه الجرائم في كل من الشرائع الوضعية والسماوية - لوجدنا اختلافاً وبوناً شاسعاً بينهما.

فها هي مواد قانون العقوبات الوضعية تبين لنا الجزاء الواجب إيقاعه على كل سارق أو غاصب بأية كيفية، وبأي نوع من أنواع الاختلاس والاغتصاب، وذلك إما بالأشغال الشاقة المؤبدة، أو المؤقتة، أو الحبس مع الشغل في الأعمال الشاقة، أو الغرامة. كما تقع هذه الجزاءات نفسها - عدا الغرامة - على كل من هتك العرض، وأفسد الأخلاق.

ومن الملاحظ أن هذه الجزاءات لا تنفذ إلا إذا وقعت هذه الجرائم على وجه الإكراه.

وبالتأمل في هذه الأحكام- ومدى تأثيره في النفوس- نرى أنها كفاح مخفف ودواء، يحد من ثورة هذه الجرائم من بقاء أصل الداء في الجسم؛ لذا نرى السارق- وقد تلقى جزاءه الذي قرره له القانون الوضعي- يعود إلى السرقة مرة أخرى؛ وهكذا بقية الجرائم.

أما إذا قطعت يد السارق، أو أُخذ بالقود من القاتل- كما قررت الشريعة الإسلامية- لكان ذلك زاجراً لكل أفراد المجتمع. إن الشريعة الإسلامية الغراء اعتبرت هؤلاء المجرمين من زناة، وسُرّاق، وقتلة عضواً أشل في المجتمع البشري، بل جرثومة فساد؛ فوضعت لهذه

<<  <  ج: ص:  >  >>