مجتهد قائم بالقضاء لرغبة العلماء عنه، وكيف يمكن القضاء على الأعصار بخلوّها عنه والقفال نفسه كان يقول لسائله في مسائل الصبرة: تسألني عن مذهب الشافعي أم عما عندي؟ وقال هو وآخرون منهم تلميذه القاضي حسين:"لسنا مقلدين للشافعي، بل وافق رأينا رأيه".
قال ابن الرفعة: ولا يختلف اثنان أن ابن عبد السلام وتلميذه ابن دقيق العيد بلغا رتبة الاجتهاد.
وقال ابن الصلاح:"إمام الحرمين والغزالي والشيرازي من الأئمة المجتهدين في المذهب أهـ ووافقه الشيخان، فأقاما- كالغزالي- احتمالات الإمام وجوهاً، وخالفه ابن الرفعة، والذي يتجه أن هؤلاء - وإن ثبت لهم الاجتهاد - فالمراد التأهل له مطلقاً أو في بعض المسائل؛ إذ الأصح جواز تجزئه، أما حقيقته بالفعل في سائر الأبواب فلم يحفظ ذلك من قريب عصر الشافعي إلى الآن؛ كيف وهو متوقف على تأسيس قواعد أصولية وحديثية يخرّج عليها استنباطاته وتفريعاته؟! وهذا التأسيس هو الذي أعجز الناس عن بلوغ حقيقة مرتبة الاجتهاد المطلق، ولا يغني عنه بلوغ الدرجة الوسطى فيما سبق؛ فإن أدون أصحابنا ومن بعدهم بلغ ذلك ولم يحصل له مرتبة الاجتهاد المذهبي، فضلاً عن الاجتهاد النسبي، فضلاً عن الاجتهاد المطلق أهـ ما نقله عن التحفة.
ولنتعرّض لطبقات الفقهاء أيضاً من السادة الحنفية؛ إتماماً للفائدة وللاحتياج إليها لديهم في كل قضية.
قال خاتمة المحققين العلامة ابن عابدين (رحمه الله) ما نصه: "وقد أوضحها المحقق ابن كمال باشا في بعض رسائله، فقال: لا بد للمفتي أن يعلم حال من يفتي بقوله، ولا يكفيه معرفته باسمه ونسبه، بل لا بد من معرفته في الرواية ودرجته في الدراية وطبقته من طبقات الفقهاء؛ ليكون على بصيرة في التمييز بين القائلين المتخالفين، وقدرة كافية في الترجيح بين القولين المتعارضين.
الأولى: طبقة المجتهدين في الشرع؛ كالأئمة الأربعة (رضي الله عنهم) ومن سلك مسلكهم في تأسيس قواعد الأصول وبه يمتازون عن غيرهم.
الثانية: طبقة المجتهدين في المذهب؛ كأبي يوسف، ومحمد، وسائر أصحاب أبي حنيفة القادرين على استخراج الأحكام من الأدلة على مقتضى القواعد التي قرّرها أستاذهم أبو حنيفة في الأحكام، وإن خالفوه في بعض أحكام الفروع، لكن يقلدونه في قواعد الأصول، وبه يمتازون عن المعارضين في المذهب؛ كالشافعي وغيره المخالفين له في الأحكام غير مقلدين له في الأصول.