المُقَدَّسَةِ: مُشَبِّهَة، إِذْ وَصَفُوا الله بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ بِالأَشْيَاءِ الَّتِي أَسْمَاؤُهَا مَوْجُودَةٌ فِي صِفَاتِ بني آدم، بلا تَكْيِيفٍ، وَأَنْتَ قَدْ شَبَّهْتَ إِلَهَكَ فِي يَدَيْهِ وَسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ بِأَعْمَى وَأَقْطَعَ، وَتَوَهَّمْتَ فِي مَعْبُودِكَ مَا تَوَهَّمْتَ فِي الأَعْمَى وَالأَقْطَعِ، فَمَعْبُودُكَ -في دعواك- مُجَدَّعٌ مَنْقُوصٌ، أَعْمَى لَا بَصَرَ لَهُ، وَأَبْكَمُ لَا كَلَامَ لَهُ، وَأَصَمُّ لَا سَمْعَ لَهُ، وَأَجْذَمُ لَا يَدَانِ لَهُ، وَمُقْعَدٌ (١) لَا حِرَاكَ بِهِ، وَلَيْسَ هَذَه بِصِفَةِ إِلَهِ المُصَلِّينَ؟ فَأَنْتَ أَوْحَشُ مَذْهَبًا فِي تَشْبِيهِكَ إِلَهِكَ بِهَؤُلَاءِ العِمْيَانِ وَالمَقْطُوعِينَ، أَمْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ سَمَّيْتَهُمْ مُشَبِّهَةً؛ أَنْ وَصَفُوهُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ بِلَا تَشْبِيهٍ؟
فلولا أَنَّهَا كَلِمَةٌ هِيَ مِحْنَةُ الجَهْمِيَّةِ الَّتِي بِهَا يَنْبِزونَ المُؤْمِنِينَ، مَا سَمَّيْنَا مُشَبِّهًا غَيْرَكَ؛ لِسَمَاجَةِ مَا شَبَّهْتَ وَمَثَّلْتَ.
وَيْلَكَ! إِنَّمَا نَصِفُهُ بالأسماء لَا بالتَّكْيِيفِ وَلَا بِالتَّشْبِيهِ، كَمَا يُقَالُ: إِنَّهُ مَلِكٌ كَرِيمٌ، عَلِيمٌ، حَكِيمٌ، رَحِيمٌ، لَطِيفٌ، مُؤْمِنٌ، عَزِيزٌ، جَبَّارٌ، مُتَكَبِّرٌ.
وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يُدْعَى البَشَرُ بِبَعْضِ هَذِهِ الأَسْمَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ مُخَالِفَةً لِصِفَاتِهِمْ، فَالأَسْمَاءُ فِيهَا مُتَّفِقَةٌ، وَالتَّشْبِيهُ وَالكَيْفِيَّةُ مُفْتَرِقَةٌ، كَمَا يُقَالُ: لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مِمَّا فِي الجَنَّةِ إِلَّا الأَسْمَاءَ، يَعْنِي فِي الشَّبَهِ وَالطَّعْمِ وَالذَّوْقِ، وَالمَنْظَرِ، وَاللَّوْنِ. فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَالله أَبْعَدُ مِنَ الشَّبَهِ وَأَبْعَدُ.
فَإِنْ كُنَّا مُشَبِّهَةً عِنْدَكَ؛ أَنْ وَحَّدْنَا اللهَ إِلَهًا وَاحِدًا بِصِفَاتٍ أَخَذْنَاهَا عَنْهُ وَعَنْ كِتَابِهِ فَوَصَفْنَاهُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ، فَالله فِي دَعْوَاكُمْ أَوَّلُ المُشَبِّهِينَ بِنَفسِهِ ثمَّ رَسُولُ اللهِ الَّذِي أَنْبَأَنَا ذَلِكَ عَنْهُ. فَلَا تَظْلِمُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تُكَابِرُوا العِلْمَ، إِذْ جَهِلْتُمُوهُ فَإِنَّ التَّسْمِيَةَ مِنَ التَّشْبِيه بعيدَة.
(١) هنا في الأصل لحق وكتب في الحاشية «ومن» ولا أرى لها مناسبة في السياق.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute