العِلْمِ أَنَّ أَمْرَهُ يَنْزِلُ مِنْ عِنْدِهِ مِنَ السَّمَاءِ، وَهُوَ عَلَى عَرْشِهِ، فَلَمَّا قَالَ: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} الآيَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَا، وَقَالَ أَيْضًا: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا (٢٥)} [الفرقان: ٢٥]،و {يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٢١٠)} [البقرة: ٢١٠]، وَ {دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (٢١) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (٢٢)} [الفجر: ٢١ - ٢٢]، عَلِمَ بِمَا قَصَّ الله مِنَ الدَّلِيلِ، وَبِمَا حَدَّ لِنُزُولِ المَلَائِكَةِ يَوْمَئِذٍ، أَنَّ هَذَا إِتْيَانُ اللهِ بِنَفْسِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ لِيَلِيَ مُحَاسَبَةَ خَلْقِهِ بِنَفْسِهِ، لَا يَلِي ذَلِكَ
أَحَدٌ غَيْرُهُ، وأَنَّ مَعْنَاهُ مُخَالِفٌ لِمَعْنَى إِتْيَانِ القَوَاعِدِ، لاخْتِلَافِ القَضِيَّتَيْنِ، أَلَا تَرَى أَيُّهَا المَرِيسِيُّ أَنَّهُ قَالَ: {فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ} [النحل: ٢٦]، وَلَمْ يَذْكُرْ عِنْدَهَا نَفْخَ الصُّورِ، وَلَا تَشَقُّقَ السَّمَاءِ، وَلَا تَنَزُّلَ المَلَائِكَةِ، وَلَا حَمْلَ العَرْشِ، وَلَا يَوْمَ العَرْضِ. وَلَكِنْ قَالَ: خَرَّ عَلَيْهِمْ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ فِي دُنْيَاهُمْ، {وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (٢٦)} [النحل: ٢٦]، فَرَدَّ الإِتْيَانَ إِلَى العَذَابِ، فَفَرَّقَ بَيْنَ المَعْنَيَيْنِ مَا قُرِنَ بِهِمَا مِنَ الدَّلَائِلِ وَالتَّفْسِيرِ.
وَإِنَّمَا يَصْرِفُ كُلَّ مَعْنَى إِلَى معْنَى الَّذِي يَنْصَرِفُ إِلَيْهِ. وَيَحْتَمِلُهُ فِي سِيَاقِ القَوْلِ، إِلَّا أَنْ يَجِدَ الشَّيْءَ اليَسِيرَ فِي الفَرْطِ يَجُوزُ فِي المَجَازِ بِأَقَلِّ المَعَانِي وَأَبْعَدِهَا عَنِ العُقُولِ، فَيَعْمِدُ إِلَى أَكثر مَعَاني الأَشْيَاء وَأَغْلَبِهَا فَيَصْرِفُ المَشْهُورَاتِ مِنْهَا إِلَى المَغْمُورَاتِ المُسْتَحَالَاتِ؛ يُغَالِطُ بِهَا الجُهَّالَ، وَيُرَوِّجُ عَلَيْهِمْ بِهِ الضَّلَالَ. فَيَكُونُ ذَلِكَ دَلِيلًا مِنْهُ عَلَى الظِّنَّةِ وَالرِّيبَةِ، وَمُخَالَفَةِ العَامَّةِ.
وَالقُرْآنُ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ، تُصْرَفُ مَعَانِيهِ إِلَى أَشْهَرِ مَا تَعْرِفُهُ العَرَبُ فِي لُغَاتِهَا، وَأَعَمِّهَا عِنْدَهُمْ.
فَإِنْ تَأَوَّلَ مُتَأَوِّلٌ مِثْلُكَ، جَاهِلٌ فِي شَيْءٍ مِنْهُ خُصُوصًا، أَوْ صَرَفَهُ إِلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute