للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَوْلِ المُشَبِّهَةِ، فَقَوْلُهُ: «تَرَوْنَ رَبَّكُمْ»: تَعْلَمُونَ أَنَّ لَكُمْ رَبًّا لَا يَعْتَرِيكُمْ فِيهِ الشُّكُوكُ، والرَّيْبُ، أَلَا تَرَوْنَ أَنَّ الأَعْمَى يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ مَا أَبْصَرَهُ، أَيْ مَا أَعْلَمَهُ، وَهُوَ لَا يُبْصِرُ شَيْئًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ: قد نَظَرْتُ فِي المَسْأَلَةِ، وَلَيْسَ لِلْمَسْأَلَةِ جِسْمٌ يُنْظَرُ إِلَيْهِ، فَقَوْلُهُ: نَظَرْتُ فِيهَا، رَأَيْتُ فِيهَا، فَتَوَهَّمَتِ المُشَبِّهَةُ الرُّؤْيَةَ جَهْرَةً، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ العَيَانِ.

فَيُقَالُ لَكَ أَيُّهَا المَرِيسِيُّ: أَقْرَرْتَ بِالحَدِيثِ وَثَبْتِهِ عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَأَخَذَ الحَدِيثُ، بِحَلْقِكَ، لما أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، قَدْ قَرَنَ التَّفْسِيرَ بِالحَدِيثِ فَأَوْضَحَهُ وَلَخَّصَهُ يَجْمَعُهَا جَمِيعًا إِسْنَادٌ وَاحِدٌ حَتَّى لَمْ يَدَعْ لِمُتَأَوِّلٍ فِيهِ مَقَالًا.

فَأَخْبَرَ أَنَّهُ رُؤْيَةُ العَيَانِ نَصًّا، كَمَا تَوَهَّمَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تُسَمِّيهِمْ بِجَهْلِكَ مُشَبِّهَةً، فَالتَّفْسِيرُ فِيهِ مَأْثُورٌ مَعَ الحَدِيثِ، وَأَنْتَ تُفَسِّرُهُ بِخِلَافِ مَا فَسَّرَ الرَّسُولُ، مِنْ غَيْرِ أَثَرٍ تَأْثُرهُ عَمَّنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ، فَأَيُّ شَقِيٍّ مِنَ الأَشْقِيَاءِ، وَأَيُّ غَوِيٍّ مِنَ الأَغْوِيَاءِ يَتْرُكُ تَفْسِيرَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - المَقْرُونَ بِحَدِيثِهِ، المَعْقُولَ عِنْدَ العُلَمَاءِ، الَّذِي يُصَدِّقُهُ نَاطِقُ الكِتَابِ، ثُمَّ يَقْبَلُ تَفْسِيرَكَ المُحَالَ الَّذِي لَا تَأْثُرُهُ إِلَّا عَمَّنْ هُوَ أَجْهَلُ مِنْكَ وَأَضَلُّ؟!

أَلَيْسَ قَدْ أَقْرَرْتَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «تَرَوْنَ رَبَّكُمْ لَا تُضَامُونَ فِيهِ كَمَا لَا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالقَمَرِ»، وَإِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِأَصْحَابِهِ: لَا تَشُكُّونَ يَوْمَ القِيَامَةِ فِي رُبُوبِيَّتِهِ، وَهَذَا التَّفْسِيرُ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ مُعَانَدَةِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - مُحَالٌ خَارِجٌ عَنِ المَعْقُولِ؛ لِأَنَّ الشَّكَّ فِي رُبُوبِيَّةِ الله - عز وجل -؛ زَائِلٌ عَنِ المُؤْمِنِ وَالكَافِرِ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَكُلُّ مُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ يَوْمئِذٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ رَبُّهُ لا يَعْتَرِيهم فِي ذَلِكَ شَكٌّ، فَيَقْبَلُ اللهُ ذَلِكَ مِنَ المُؤْمِنِينَ، وَلَا يَقْبَلُهُ من الكَافِرِينَ، ولا يَعْذِرُهُم يَوْمَئِذٍ بِمَعْرِفَتِهِمْ وَيَقِينِهِمْ بِهِ، فَمَا فَضْلُ المُؤْمِنِ عَلَى الكَافِرِ يَوْمَ القِيَامَةِ عِنْدَكَ فِي مَعْرِفَةِ الرَّبِّ تَعَالَى؟ إِذْ مُؤْمِنُهُمْ، [١٩/ظ] وَكَافِرُهُمْ لَا يَعْتَرِيهِ فِي رُبُوبِيَّتِهِ شَكٌّ.

<<  <   >  >>