وَيْحَكَ! إِنَّمَا قَوْلُهُ: {رَبِّ الْعِزَّةِ} يَقُولُ: ذِي العِزَّةِ. وَكَذَلِكَ ذُو الكَلَامِ كَقَوْلِهِ: {ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (٢٧)} [الرحمن: ٢٧].
[٣٨/و] وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى اعْتِقَادِ هَذَا المُعَارِضِ رَأْيَ الجَهْمِيَّةِ لَا رَأْيَ الوَاقِفَةِ أَنَّ ذَبَّهُ وَمُنَافَحَتَهُ وَاحْتِجَاجَهُ عَنْ غَيْرِ الوَاقِفَةِ، وَأَنَّهُ أَظْهَرَ بِلِسَانِهِ الإِنْكَارَ عَلَى الفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا: عَلَى مَنْ يَقُولُ: مَخْلُوقٌ وَغَيْرُ مَخْلُوقٍ، تَمْوِيهًا بِهِ وَدُنُوًّا بِهِ إِلَى العَامَّةِ، ثُمَّ لَمْ يُكْثِرِ الطَّعْنَ عَلَى مَنْ قَالَ: مَخْلُوقٌ، كَمَا أَطْنَبَ فِي الطَّعْنِ عَلَى مَنْ قَالَ: غَيْرُ مَخْلُوقٍ، حَتَّى جَاوَزَ فِيهِمُ الحَدَّ وَالمِقْدَارَ، فَنَسَبَهُمْ فِيهِ إِلَى الكُفْرِ البَيِّنِ وَالبِدْعَةِ الظَّاهِرَةِ، وَالضَّلَالَةِ وَالجَهْلِ، وَقِلَّةِ العِلْمِ وَالتَّمْيِيز، وَسُوءِ الدِّيَانَةِ، وَسُوءِ مُرَاقَبَةِ الله، وَأَنَّهُمْ فِي قَوْلِهِمْ: «غَيْرُ مَخْلُوقٍ» مُطِيعُونَ لِلشَّيْطَانِ وَجُنُودِهِ، مُقَدِّمُونَ بَيْنَ يَدَيِ الله وَرَسُولِهِ، نَشْهَدُ عَلَيْهِمْ بالكفْر أَنْ قَالُوا: القُرْآنُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ.
وَلَمْ يَنْسِبْ مَنْ قَالَ: «مخْلُوقٌ» إِلَى جُزْءٍ مِنْ ألفِ جُزْءٍ مِمَّا نَسَبَ إِلَيْهِ الَّذِينَ خَالَفُوهُمْ، حَتَّى بَلَغَ مِنْ شِدَّةِ طَعْنِهِ عَلَيْهِمْ أَنْ رَوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ مِنْ رِوَايَاتِ ابْنِ الثَّلْجِيِّ -وَلَمْ يَسْمَعْهُ بِزَعْمِهِ مِنَ ابْنِ الثَّلْجِيِّ- أَنَّهُ لَا يُصَلِّي خَلْفَ من يَقُول القُرْآن مَخْلُوقٍ.
فَلَوْ سَمِعَ هَذَا المُعَارِضُ مِنْ أَبِي يُوسُفَ نَفْسِهِ لَمْ تَقُمْ لَهُ بِهِ حُجَّةٌ، وَجَرَّ إِلَى أَبِي يُوسُفَ بِهَا فَضِيحَةً.
فَاجْتِهَادُ هَذَا المُعَارِضِ فِي الطَّعْنِ عَلَى مَنْ يَقُولُ: غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَصَفْحِهِ عَمَّنْ يَقُولُ: مَخْلُوقٌ، فَهَذَا يَدُلُّ مِنْهُ عَلَى أَسْوَأ الرِّيبَةِ، وَأَقْبَحِ الظِّنَّةِ وَأَنَّ ألْبَهُ (١)، وَمَيْلَهُ إِلَى مَنْ يَصْفَحُ عَنْهُ.
(١) قال في اللسان: والأَلْبُ: مَيْلُ النَّفْسِ إِلَى الهَوى. وَيُقَالُ: أَلْبُ فُلانٍ معَ فُلانٍ أَي صَفْوُه مَعَه.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute