ذَلِكَ لَمَا أَنَّهُ لَمْ يُخَضْ فِيهِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابِهِ، فَمَنْ خَاضَ فِيهِ كَانَ بِزَعْمِكَ مُقَدِّمًا بَيْنَ يَدَيِ الله وَرَسُولِهِ، فَكَيْفَ تَرَكْتَ فِيهِ قَوْلَ الله تَعَالَى وَمِنْهَاجَ السَّلَفِ، وَرَجَعْتَ عَنْ كَلَامِ الله فَجَعَلْتَهُ فِعْلًا لَهُ مَخْلُوقًا؟
أوَ مَا تَخْشَى عَلَى نَفْسِكَ مَا تَخَوَّفْتَ عَلَى غَيْرِكَ؟ لقد ارْتَطَمْتَ فِيمَا تَخَوَّفْتَ عَلَى غَيْرِكَ وَأَنْتَ لَا تَشْعُرُ، وَصَرَّحْتَ بِالمَخْلُوقِ بَعْدَمَا نَسَبْتَ إِلَى البِدْعَةِ مَنْ قَالَهَا، وَبُؤْتَ بِمَا عِبْتَ عَلَى غَيْرِكَ مِنَ التَّقَدُّمِ بَيْنَ يَدَيِ الله وَرَسُولِهِ، وَتابَعْتَ جَهْمًا وَالمَرِيسِيَّ فِي دَعْوَاهُمَا، زَعَمَ هَذَانِ أَنَّهُ مَجْعُولٌ وَزَعَمْتَ أَنْتَ أَنَّهُ مَفْعُولٌ، وَكِلَا المَعْنَيَيْنِ سَوَاءٌ.
وَقَدْ كَانَ رَأْسُ حُجَجِ المَرِيسِيِّ وَأَصْحَابِهِ مِنَ الجَهْمِيَّةِ وَأَوْثَقُهَا فِي أَنْفُسِهِمْ، حَتَّى تَأَوَّلُوا فِيهَا عَلَى الله مِنْ كِتَابِهِ خِلَافَ مَا أَرَادَ. فَقَالُوا: قَالَ الله تَعَالَى: {حم (١) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [الزخرف: ١ - ٣] و {جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} [الشورى: ٥٢].
فَادَّعَوْا أَنَّهُ لَا يُقَالُ لِشَيْءٍ: {جَعَلْنَاهُ} إِلَّا وَذَلِكَ الشَّيْءُ مَخْلُوقٌ، فَضَلُّوا بِهَذَا التَّأْوِيل عَن سَوَاء السَّبِيلِ وَجَهِلُوا فِيهِ مَذَاهِبَ أَهْلِ الفِقْهِ وَالبَصَرِ بِالعَرَبِيَّةِ.
فَقُلْنَا لَهُمْ: مَا ذَنْبُنَا إِنْ كَانَ اللهُ سَلَبَ مِنْكُمْ مَعْرِفَةَ الكِتَابِ وَالعِلْمِ بِهِ وَبِمَعَانِيهِ، وَبِمَعْرِفَةِ لُغَاتِ العَرَبِ، حَتَّى ادَّعَيْتُمْ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يُقَالُ: «جَعَلْناهُ» فَهُوَ خَلَقْنَاهُ.
أَرَأَيْتُمْ أَيُّهَا الجَهَلَةُ قَوْلَ الله تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ} [الحديد: ٢٦]، أَهُوَ خَلَقْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالكِتَابَ؟ وَكَذَلِكَ: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ} [الزخرف: ٢٨]-لَا إِلَهَ إِلَّا الله- أَهُوَ خَلَقَهَا؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute