للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ثُمَّ لمَّا فَرَغْتَ مِنْ إِنْكَارِ اليَدَيْنِ وَنَفْيِهَا عَنِ الله ذِي الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ، أَقْبَلْتَ قِبَل وَجْهِ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِتَنْفِيَهُ عَنْهُ بِمِثْلِ هَذِهِ العَمَايَاتِ، كَمَا نَفَيْتَ عَنْهُ اليَدَيْنِ، فَزَعَمْتَ أَنَّ وَكِيعًا، رَوَى عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ: «أَنَّ العَبْدَ إِذَا قَامَ يُصَلِّي أَقْبَلَ اللهُ عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ، فَلَا يَصْرِفُهُ عَنْهُ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يَنْصَرِفُ، أَوْ يُحَدِثُ حَدثَ سُوءٍ» (١).

ثُمَّ قُلْتَ أَيُّهَا المُعَارِضُ: إِنَّ هَذَا يَحْتَمِلُ أَنَّ الله يُقْبِلُ عَلَيْهِ بِنِعْمَتِهِ وَإِحْسَانِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَمَا أَوْجَبَ لِلْمُصَلِّي مِنَ الثَّوَابِ كَمَا قُلْتُمْ: {فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: ١١٥] {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: ٨٨]، وَكَقَوْلِه: {ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ} [الليل: ٢٠]، وَكَقَوْلِهِ: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (٢٧)} [الرحمن: ٢٧]، أَيْ يَبْقَى اللهُ وَحْدَهُ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَللهِ وَجْهٌ؟ قِيلَ لَهُ: إِنْ [٥١/و] كُنْتَ تُرِيدُ: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}، {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (٢٦) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (٢٧)


(١) صحيح، أخرجه عبد الرزاق (١٦٨٩) عن الثوري، وأخرجه ابن أبي شيبة (٧٥٢٤) عن وكيع، وغيرهما، كلاهما عن الأعمش، به.
وأخرجه ابن ماجه (١٠٢٣)، وابن أبي شيبة (٧٥٢٥)، كلاهما من طريق أبي بكر بن عياش.
وأخرجه البزار (٢٨٨٩)، من طريق عمران القطان، كلاهما (ابن عياش، والقطان)، عن عاصم بن بهدلة، عن أبي وائل، عن حذيفة، مرفوعًا.
قال البزار عقب رواية الحديث: «وهذا الحديث لا نعلم رواه عن عاصم، عن أبي وائل مرفوعا إلا عمران القطان، ورواه غيره موقوفا». قلت: وليس كذلك، فقد تابعه أبو بكر بن عياش كما ترى.
وظاهر الرواية يدل على أن ثمة اختلاف على أبي وائل فيها، فإن الأعمش رواه موقوفا من قول حذيفة، وعاصم بن أبي النجود رواها مرفوعة.

وقلت: ولا أجد اختلافًا؛ لأنه لا يمكن أن يكون ذلك من قول حذيفة لأنه أمر غيبي، فرواية الأعمش، التي ظاهرها الوقف، فإن لها حكم الرفع؛ إذ لا يتثنى لحذيفة أن يقول ذلك من قبل نفسه، والله تعالى أعلم.

<<  <   >  >>