للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

قُلْتَ: وَكَذَلِكَ مَا رَوَى المَسْعُودِيُّ، عَنِ المِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ الله: «أَنَّ الرَّب يَبْدُو لِأَهْلِ الجَنَّةِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ عَلَى كَثِيبٍ مِنْ كَافُورٍ، فَيَكُونُونَ مِنْهُ فِي القُرْبِ عَلَى قَدْرِ تَسَارُعِهِمْ إِلَى الجُمُعَةِ فِي الدُّنْيَا» (١).

فَادَّعَيْتَ أَنَّ تَفْسِيرَ قَوْلِهِ هَذَا مِنَ القُرْبِ: أَنَّهُ يَبْدُو لَهُمْ بِظُهُور الدلالات، وَبَذْلِ الكَرَامَاتِ لِأَوْلِيَائِهِ، فَيَظْهَرُ بِمَا فَعَلَ، ودِلَالَاتُهُ وَعَلَامَاتُهُ لَا هُوَ بِنَفْسِهِ.

فَيُقَالُ لَكَ: أَيُّهَا المُعَارِضُ، بِئْسَمَا أَثْبَتَّ عَلَى أَوْلِيَاءِ الله أَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا الله بِدِلَالَاتِهِ وَعَلَامَاتِهِ وَبرِسَالَاتِ نَبِيِّهِ، وَمَا أَنْزَلَ فِي كُتُبِهِ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ مَقَامِهِمْ حَتَّى يَعْرِفُوهُ بِهَا فِي الآخِرَةِ؛ إِذْ مَاتُوا كُفَّارًا فِي دَعْوَاكَ، جُهَّالًا بِالله وَبِدِلَالَاتِهِ، فَإِنْ كَانُوا كَذَلِكَ فِي دَعْوَاكَ؛ لَمْ يَكُونُوا إِذًا أَوْلِيَاء الله؛ إِذ لَمْ يَمُوتُوا عَلَى حَقِيقَةِ مَعْرِفَةِ الله تَعَالَى وَلَا اسْتَحَقُّوا الكَرَامَاتِ مِنَ اللهِ، وَلَمْ يَكُونُوا أَهْلًا فِي دَعْوَاكَ أَنْ يَبْدُوَ لَهُمْ فِي كَثِيبٍ مِنْ كَافُورٍ، بَلْ يَحْتَجِبُ عَنهُم؛ إِذْ لَمْ يَعْرِفُوهُ بِدِلَالَاتِهِ وَعَلَامَاتِهِ وَرِسَالَاتِ نَبِيِّهِ، إِلَّا يَوْمَ لَا يَنْفَعُ نَفْسً (٢) إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ؛ إِذْ كُلُّ كَافِرٍ ومُنَافِقٍ يَعْرِفُهُ يَوْمَئِذٍ بِدِلَالَاتِهِ وَعَلَامَاتِهِ، فَمَا فَضْلُ المُؤْمِنِ عِنْدَكَ فِي هَذَا عَلَى الكَافِرِ؟


(١) أخرجه ابن المبارك في الزهد (٢/ ١٣١)، عن المسعودي، ومن طريقه عبد الله بن أحمد في السنة (٤٧٦)، والدارقطني في الرؤية (١٦٥)، وأخرجه ابن خزيمة في التوحيد (٢/ ٨٩٣) من طرق أبي داود الطيالسي، والطبراني في الكبير (٩/ ٢٣٨)، من طريق أبي نعيم، كلاهما عن المسعودي، به. وهذا إسناد ضعيف لانقطاعه فإن أبا عبيدة بن عبد الله بن مسعود لم يسمع من أبيه.
(٢) الجادة «نفسًا» والمثبت من الأصل؛ جائز على لغة ربيعة التى حكاها ابن مالك في «كتابه شواهد التوضيح» (ص ٤٩)، ومفادها جواز الإضراب عن إثبات الألف المبدلة من تنوين النصب.

<<  <   >  >>