للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وادَّعى المُعَارِضُ أَيْضًا زُورًا عَلَى قَوْمٍ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ الله: {يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} [الزمر: ٥٦] قَالَ: يَعْنُونَ بِذَلِكَ الجَنْبَ الَّذِي هُوَ العُضْوُ، وَلَيْسَ عَلَى مَا يَتَوهَّمُونَهُ.

فَيُقَالُ لِهَذَا المُعَارِضِ: مَا أَرْخَصَ الكَذِبَ عِنْدَكَ، [٥٩/ظ] وأخفَّه عَلَى لِسَانِكَ! فَإِنْ كُنْتَ صَادِقًا فِي دَعْوَاكَ فَأَشِرْ بِهَا إِلَى أَحَدٍ مِنْ بَنِي آدَمَ قَالَهُ، وَإِلَّا فَلِمَ تُشَنِّع بِالكَذِبِ عَلَى قَوْمٍ هُم أَعْلَمُ بِهَذَا التَّفْسِيرِ مِنْكَ، وَأَبْصَرُ بِتَأْوِيلِ كِتَابِ الله مِنْكَ، وَمِنْ إِمَامِكَ؟ إِنَّمَا تَفْسِيرُهَا عِنْدَهُمْ، تَحَسُّرُ الكفَّار عَلَى مَا فَرَّطُوا فِي الإِيمَانِ وَالفَضَائِلِ الَّتِي تَدْعُو إِلَى ذَاتِ الله، وَاخْتَارُوا عَلَيْهَا الكُفْرَ وَالسُّخْرِيَةَ بِأَوْلِيَاءِ الله؛ فَسَمَّاهُمُ السَّاخِرِونَ.

فَهَذَا تَفْسِيرُ الجَنْبِ عِنْدَهُمْ. فَمَا أَنْبَأَكَ أَنَّهُمْ قَالُوا: جَنْبٌ مِنَ الجُنُوبِ؟ فَإِنَّهُ لَا يَجْهَلُ هَذَا المَعْنَى كَثِيرٌ مِنْ عَوَامِّ المُسْلِمِينَ، فَضْلًا عَنْ عُلَمَائِهِمْ، وَقَدْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رضي الله عنه -: «الكَذِبُ مُجَانِبُ الإِيمَانِ» (١)، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه -: «لَا يَجُوزُ مِنَ الكَذِبِ جِدٌّ وَلَا هَزْلٌ» (٢)، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: «مَنْ كَانَ كَذَّابًا؛ فَهُوَ مُنَافِقٌ» (٣)، فَاحْذَرْ أَنْ تَكُونَ مِنْهُم.

* * *


(١) صحيح، أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (٢٥٩٩٤)، وأحمد (١٦)، وعنه ابنه عبد الله في السنة (٧٨٦)،وغيرهم من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم، عن أبي بكر - رضي الله عنه -.
(٢) صحيح، أخرجه أحمد (٣٨٩٦)، من طريق أبي الأحوص، والبخاري في الأدب المفرد (٣٨٧)، من طريق أبي معمر، وابن المبارك في الزهد (١/ ٤٩١)، من طريق أبي عبيدة، وابن أبي شيبة (٢٥٩٣٩)، من طريق أبي البختري، وغيرهم عن ابن مسعود.
(٣) صحيح، أخرجه ابن أبي شيبة (٢٥٩٩٧)، وابن بطة في الإبانة (٩٣٨)، من طريق إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي.

<<  <   >  >>