للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَادَّعَى المُعَارِضُ أَيْضًا: أَنَّ اللهَ لَا يُوصَفُ بِالضَّمِيرِ، وَالضَّمِيرُ مُنْتَفِي عَنِ اللهِ تَعَالَى وَلَيْسَ هَذَا مِنْ كَلَامِ المُعَارِضِ، وَهِيَ كَلِمَةٌ خَبِيثَةٌ قَدِيمَةٌ مِنْ كَلَامِ جَهْمٍ؛ عَارَضَ بِهَا جَهْمٌ قَوْلَ الله تَعَالَى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة: ١١٦]، يَدْفَعُ بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ اللهُ سَبَقَ لَهُ عِلْمٌ فِي نَفْسِهِ بِشَيْءٍ مِنَ الخَلْقِ وَأَعْمَالِهِمْ، [٦٣/ظ] قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُمْ، فَلَطَّفَ بِذِكْرِ الضَّمِيرِ لِيَكُونَ أَسْتَرَ لَهُ عِنْدَ الجُهَّالِ.

فَردَّ عَلَى جَهْمٍ بَعْضُ العُلَمَاءِ قَوْلَهُ هَذَا وَقَالُوا لَهُ: كَفَرْتَ بِهَا يَا عَدُوَّ الله مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

وَجْهٍ: أَنَّكَ نَفَيْتَ عَنِ الله تَعَالَى العِلْمَ السَّابِقَ فِي نَفْسِهِ قَبْلَ حُدُوثِ الخَلْقِ وَأَعْمَالِهِمْ.

وَالوَجْهِ الثَّانِي: أَنَّكَ اسْتَجْهَلْتَ المَسِيحَ أَنَّهُ وَصَفَ اللهَ تَعَالَى بِمَا لَا يُوصَفُ بِأَنَّ لَهُ خَفَايَا عِلْمٍ فِي نَفْسِهِ؛ إِذْ يَقُولُ لَهُ: {وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ}.

وَالوَجْهِ الثَّالِثِ: أَنَّكَ طَعَنْتَ بِهِ عَلَى مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -؛ إِذْ جَاءَ بِهِ مُصَدِّقًا لِعِيسَى، فَأَفْحَمَ جَهْمًا.

وَقَوْلُ جَهْمٍ: لَا يُوصَفُ اللهُ بِالضَّمِيرِ، يَقُولُ: لَمْ يَعْلَمِ اللهُ فِي نَفْسِهِ شَيْئًا مِنَ الخَلْقِ قَبْلَ حُدُوثِهِمْ وَحُدُوثِ أَعْمَالِهِمْ، وَهَذَا أَصْلٌ كَبِيرٌ فِي تَعْطِيلِ النَّفْسِ وَالعِلْمِ السَّابِقِ، وَالنَّاقِضُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ قَوْلُ الله تَعَالَى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة: ١١٦]، فَذكر المَسِيحُ أَنَّ للهِ عِلْمًا سَابِقًا فِي نَفسه، يُعلمهُ اللهُ، ولا يَعْلَمُهُ هُوَ، وَقَالَ الله تَعَالَى: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (٤١)} [طه: ٤١]، وَ {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام: ١٢]، {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران: ٢٨].

<<  <   >  >>