كَذَلِكَ قَالَ فِي الِاسْمِ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١)} [الأعلى: ١]، كَمَا يُسَبِّحُ الله، وَلَوْ كَانَ مَخْلُوقًا مُسْتَعَارًا غَيْرَ اللهِ، لَمْ يَأْمُرِ اللهُ أَنْ يُسَبَّحَ مَخْلُوقٌ غَيْرُهُ.
وَقَالَ: {لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الحشر: ٢٤].
ثُمَّ ذَكَرَ الآلِهَةَ الَّتِي تُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللهِ بِأَسْمَائِهَا المُسْتَعَارَةِ المَخْلُوقَةِ فَقَالَ: {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ} [النجم: ٢٣]، وَكَذَلِكَ قَالَ هُودٌ لِقَوْمِهِ حِينَ: {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} [الأعراف: ٧٠]، فَقَالَ لَهُمْ يَنْهَاهُمْ: {أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ} [الأعراف: ٧١]، يَعْنِي: أَنَّ أَسْمَاءَ اللهِ تَعَالَى لَمْ تَزَلْ، كَمَا لَمْ يَزَلِ اللهُ، وَأَنَّهَا بِخِلَافِ هَذِهِ الأَسْمَاءِ المَخْلُوقَةِ الَّتِي أَعَارُوهَا لِلْأَصْنَامِ وَالآلِهَةِ الَّتِي عَبَدُوهَا مِنْ دُونِهِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَسْمَاءُ اللهِ بِخِلَافِهَا، فَأَيُّ تَوْبِيخٍ لِأَسْمَاءِ الآلِهَةِ المَخْلُوقَةِ؛ إِذْ كَانَت أسماءُهَا وَأَسْمَاءُ اللهِ مَخْلُوقَةً مُسْتَعَارَةً عِنْدَكُمْ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَكُلُّهَا مِنْ تَسْمِيَةِ العِبَادِ وَمِنْ تَسْمِيَةِ آبَائِهِمْ بِزَعْمِكُمْ؟!
فَفِي دَعْوَى هَذَا المُعَارِضِ أَنَّ الخَلْقَ عَرَّفُوا اللهَ إِلَى عِبَادِهِ بِأَسْمَاءٍ ابْتَدَعُوهَا، لَا أَنَّ اللهَ عَرَّفَهُمْ بِهَا نَفْسَهُ، فَأَيُّ تَأْوِيلٍ أَوْحَشَ فِي أَسْمَاءِ اللهِ مِنْ أَنْ يَتَأَوَّلَ رَجُلٌ أَنَّهُ كَانَ كَشَخْصٍ مَجْهُولٍ، أَوْ بَيْتٍ، أَوْ شَجَرَة، أَو بهيمة، لَمْ يُشْتَقَّ لِشَيْءٍ مِنْهَا اسْمٌ، وَلَمْ يُعْرَفْ مَا هُوَ، حَتَّى عَرَّفَهُ الخَلْقُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا؟!
وَلَا تُقَاسُ أَسْمَاءُ اللهِ بِأَسْمَاءِ الخَلْقِ؛ لِأَنَّ أَسْمَاءَ الخَلْقِ مَخْلُوقَةٌ مُسْتَعَارَةٌ، وَلَيْسَت أَسْمَاءَهُم نَفْسُ صِفَاتِهِمْ، بَلْ هِيَ مُخَالِفَةٌ لِصِفَاتِهِمْ.
وَأَسْمَاءُ الله صِفَاتُهُ، لَيْسَ شَيْءٌ منها مُخَالِفٌ لِصِفَاتِهِ، وَلَا شَيْءٌ مِنْ صِفَاتِهِ مُخَالِفٌ لِلْأَسْمَاءِ (١).
(١) كلمة «مخالف» جاءت على الرفع هكذا في الموضعين من الأصل، وهي خلاف الجادة،= ... = فالجادة النصب على أنها خبر ليس منصوب.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute