للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِيهِ الرُّوحُ، ثُمَّ كَانَ مَعَه فِي الجنَّة، حتى وَسْوَسَ إِلَيْهِ فَأَخْرَجَهُ مِنْهَا، ثُمَّ كَانَ يَرَاهُ إِلَى أَنْ مَاتَ، فَإِنَّمَا أَكَّدَ الله لَهُ مِنْ أَمْرِ آدَمَ مَا لَمْ يَرَ، لا مَا رَأَى (١)؛ لِأَنَّهُ لَمْ ير يَدي الله وهما تَخْلُقْنَاهُ (٢).

فَلْيَعْلَمِ الجَاهِلُ المَرِيسِيُّ، بِأَنَّا مَا ظَنَنَّا عِنْدَهُ مِنْ رَثَاثَةِ الحُجَج وَالبَيَانِ وَقِلَّةِ الإِصَابَةِ وَالبُرْهَانِ، قَدْرَ مَا كَشَفَ عَنْهُ هَذَا الإِنْسَانُ، وَالحَمْدُ للهِ الَّذِي نَطَّقَ (٣) به لِسَانَهُ، وَعَرَّفَ النَّاسَ شَأَنَهُ، لِيَعْرِفُوهُ فيجاوزوا مَكَانَهُ.

ثُمَّ لَمْ (٤) يَرْضَ الجَاهِلُ المريسي مَعَ سَخَافَةِ هَذِهِ الحُجَجِ، حَتَّى قَاسَ اللهَ فِي يَدَيْهِ اللَّتَيْنِ، خَلَقَ بِهِمَا آدَمَ أَقْبَحَ القِيَاسِ، وَأَسْمَجَهُ، بَعْدَمَا زَعَمَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَنْ يُقَاسَ اللهُ بِشَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ، وَلَا بِشَيْءٍ هُوَ مَوْجُودٌ فِي خلقه، وَلَا يُتَوَهَّمُ ذَلِكَ, ثُمَّ قَالَ، أَلَيْسَ يُقَالُ لِرَجُلٍ مُقَطَّعِ اليَدَيْنِ مِنَ المِنْكَبَيْنِ -إِذْا هُوَ كَفَرَ بِلِسَانِهِ- إِنَّ كُفْرَهُ ذَلِكَ بِمَا كَسَبَتْ يَدَاهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كُفْرُهُ بِيَدَيْهِ.

فَيُقَالُ لِهَذَا الضَّالِ المُضِلِّ: أَلَيْسَ قَدْ زَعَمْتَ أَنَّ اللهَ لَا يُشَبَّهُ بِشَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ، وَلَا يَتَوَهَّمُ الرَّجُلُ فِي صِفَاتِهِ مَا يَعْقِلُ مِثْلَهُ فِي نَفْسِهِ؟ فَكَيْفَ تُشَبِّهُ اللهَ فِي يَدَيْهِ اللَّتَيْنِ خَلَقَ بِهِمَا آدَمَ بِأَقْطَعَ مَجْذُومِ اليَدَيْنِ مِنَ المِنْكَبَيْنِ؟ وَتَتَوَهَّمُ فِي قِيَاسِ يَدَيِ الله مَا تعقله فِي ذَلِكَ المَجْذُومِ المَقْطُوعِ، وَيَتَوَهَّمُ ذَلِكَ؟

فَقَدْ تَوَهَّمْتَ أَقْبَحَ مَا عِبْتَ عَلَى غَيْرِكَ، إِذِ ادَّعَيْتَ أَنَّ اللهَ لَا يَدَانِ لَهُ كَالأَقْطَعِ المَقْطُوعِ اليَدَيْنِ مِنَ المِنْكَبَيْنِ.


(١) في الأصل «أما رأى» ولا معنى لها في السياق، والظاهر أنه سبق قلم من الناسخ.
(٢) كذا في الأصل، وفي «س»، ونسختين على «ع»: «تخلقانه».
(٣) في «س»، ثلاثة نسخ على «ع»: «أنطق»، والمثبت من الأصل، «ع».
(٤) لم ليست في الأصل، وأثبتناها من «س»، وثلاثة نسخ على «ع».

<<  <   >  >>