للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وهم وسط (١)

في باب أفعال الله بين الجبرية والقدرية وغيرهم، وفي باب (٢)


(١) قوله: وهم وسط في باب أفعال الله بين الجبرية والقدرية، اعلم أن الناس اختلفوا في أفعال العباد، هل هي مقدوره للرب أم لا، فقال جهم وأتباعه وهم الجبرية: إن ذلك الفعل مقدور للرب لا للعبد، وكذلك قال الأشعري وأتباعه: إن المؤثر في المقدور قدرة الرب لا قدرة العبد، وقال جمهور المعتزلة: وهم القدرية أي نفاه المقدر: إن الرب لا يقدر على عين مقدور العبد، واختلفوا هل يقدر على مثل مقدوره فأثبته البصريون كأبي علي وأبي هاشم، ونفاه الكعبي وأتباعه البغداديون، وقال أهل الحق: أفعال العباد بها صاروا مطيعين وعصاه، وهي مخلوقة لله تعالى والحق سبحانه منفرد بخلق المخلوقات، لا خالق لها سواه، فالجبرية غلوا في إثبات القدر، فنفوا فعل العبد أصلاً، والمعتزلة نفاه القدر، جعلوا العباد خالقين مع الله، ولهذا كانوا مجوس هذه الأمة. وهدى الله المؤمنين أهل السنة، لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه. والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، فقالوا: العباد فاعلون، والله خالقهم وخالق أفعالهم، كما قال تعالى (والله خلقكم وما تعملون) وهذه المسألة من أكبر المسائل التي تضاربت فيها آراء النظار، وقد ألفت فيها كتب خاصة كشفاء العليل في القضاء والقدر، والحكمة والتعليل لشمس الدين ابن القيم، ولم يهتد إلى الصواب فيها إلا من اعتصم بالكتاب والسنة:

مرام شط مرمى العقل فيه ودون مداه بيد لا تبيد
(٢) وقوله: وفي باب وعيد الله بين المرجئة والوعيدية من القدرية وغيرهم قال في التعريفات المرجئة: قوم يقولون لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة، وقال القسطلاني في شرح البخاري: المرجئة نسبة إلى الإرجاء أي التأخير لأنهم أخروا الأعمال عن الإيمان حيث زعموا أن مرتكب الكبيرة غير فاسق، هم فرقتان كما ذكر ذلك شيخ الإسلام في الفرقان الأولى الذين قالوا إن الأعمال ليست من الإيمان ومع كونهم مبتدعة في المقول الباطل، فقد وافقوا أهل السنة، على أن الله يعذب من يعذبه من أهل الكبائر بالنار، ثم يخرجهم بالشفاعة كما جاءت به الأحاديث الصحيحة وعلى أنه لابد في الإيمان أن يتكلم به بلسانه، وعلى أن الأعمال المفروضة واجبة، وتاركها مستحق للذم والعقاب، وقد أُضيف هذا القول إلى بعض الأئمة من أهل الكوفة، وأما الفرقة الثانية فهم الذين قالوا إن الإيمان مجرد التصديق بالقلب، وإن لم يتكلم به، فلا شك أنهم من أكفر عباد الله، فإن الإيمان هو قول باللسان واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان، فإذا اختل واحد من هذه الأركان لم يكن الرجل مؤمناً.

وأما الوعيدية فهم القائلون بالوعيد، وهو أصل من أُصول المعتزلة، وهو أن الله لا يغفر لمرتكب الكبائر إلا بالتوبة، ومذهبهم باطل يرده الكتاب والسنة، قال تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)، وقال عليه الصلاة والسلام: (من مات من أُمتي لا يشرك الله شيئاً دخل الجنة) قال أبو ذر: وإن زنى وإن سرق؟ قال: (وإن زنى وإن سرق). فمذهب أهل السنة حق بين باطلين، وهدى بين ضلالتين كما سمعت والله أعلم.

<<  <   >  >>