للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

قال بعض أهل النظر وإنما يؤدب الغاش بالإخراج من السوق إذا كان لا يمكن أن يرجع إليه دون أن يعرف به. وأما إذا كان يمكن أن يرجع إليه ولا يعرف ذلك لاتساع السوق فلا لما جاء من أن عمر بن الخطاب رضه كتب إلى أمراء الأجناد لا تتركوا النصارى في أعمالهم في الأسواق جزارين ولا صيارفة لأنه يخشى من المعتاد للغش أن يغش المسلمين لما يعلم من استحلاله.

وقد قال سحنون قياسا على قول عمر بن الخطاب رضه أن يمنع من السوق من لا يبصر البيع من المسلمين فإذا كان يمنع منه لا يبصر البيع من المسلمين فالذي يغش المسلمين وقد اعتاد ذلك وأدب عليه فلم يردعه الأدب أحق بذلك وأولى.

قال في "جامع الأحكام" ومن معناه اليوم ما يقع أنه يجعل بعض الجص في قاع المكيال ويكون له ميزانان للدراهم يأخذ بميزان ويعطي بآخر وصنجتان يبيع بواحدة ويشتري بأخرى فهذا كله داخل تحته التطفيف المنهي عنه. وفي المدونة عن غير ابن القاسم وهو وفاق إنما يجوز أن يشتري بالمكيال الذي جعله الوالي للناس في الأسواق وهو الجاري بينهم فأما مكيال ترك ولا يعرف قدره من المكيال الجاري بين الناس فلا يجوز ويفسخ.

فإن قلت هذا الحكم في المكيال والميزان إذا غش بالزيادة في صورتهما الوضيعة عن المعتاد أو بالنقص فما صورة الكيل والوزن وما يحل من الزيادة في فعله وما لا يحل. قلت لما أمر الله سبحانه بالاعتدال في فعل الوزن والكيل وحرم التطفيف وهو الخروج عن الاعتدال بنقص غير معتاد أو زيادة.

كذلك قال العلماء رضي الله عنهم صورة الكيل أن يصب ما يكال في المكيال باليد حتى يعلق رأس المكيال ثم يرسل يده ولا يمسكها من غير زيادة على ذلك.

قال في سماع أشهب وسئل عما يجب على الكيال في الكيل أيطفف المكيال أم يصبه عليه ويجلب ثم يكيل قال لا يطفف ولا يجلب لأن الله تع يقول: {ويل للمطففين} فلا خير في التطفيف ولكن يصب عليه حتى يجتبذه فإذا اجتبذه أرسل بمده ولم يمسك قال الشيخ ابن رشد رحه كذا وقع في الرواية حتى يجتبذه والصواب حتى يجبنذه قال بعض أهل اللغة الجبنذة ما ارتفع من كل شيء وإنما قلنا إن الصواب لأن الاجتباذ هو الجلب الذي مع منه فقال لا تطفف ولا تجلب والتطفيف في الكيل هو الزيادة فيه على الوفاء وقد يقع

<<  <   >  >>