للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

احتجاب القضاة على الخصوم

وإذا كان في القضاة من يحتجب عن الخصوم إذا قصدوه ويمتنع من النظر بينهم إذا تحاكموا إليه فللمحتسب أن يأخذه مع ارتفاع الأعذار بما وجب عليه النظر بين المتحاكمين وفصل القضاء بين المتنازعين ولا يمنع علو رتبته من إنكار ما قصر فيه وقد مر إبراهيم بن بطحاء وإليه الحسبة بجانبي بغداد بباب أبيع مر بن حماد وهو يؤمئذ قاضي القضاة فرأى الخصوم جلوسا على بابه وقد أضرتهم الشمس فوقف واشتد على حاجبيه وقال له: تقول لقاضي القضاة الخصوم جلوس بالباب قد بلغتهم الشمس وتأذوا بالانتظار فإما جلست لهم أو عرفتهم عذرك ينصرفوا ويعودوا هـ. فكيف لا يكون صاحب هذه الخطة التي ينظر فيها على أئمة المساجد وقضاة المسلمين من أكمل الناس دينا ومروءة وعلما ودراية وبروزا في الخير وعدالة وإلا لم يكن له لولايته الحسبة على أمور الخلق سبيل إذ لا يصح أن يلي من شأنها الكثير ولا القليل.

شروط والي الحسبة

ثم قال الشيخ تقي الدين أبو الحسن علي ابن حبيب الماوردي فمن شرط والي الحسبة أن يكون حرا عدلا ذا رأي وصرامة وخشونة في الدين وعلم بالمنكرات الظاهرة فإن قلت أين اشتراط العدالة التي ذكر هذا الشيخ هنا مما أسلفت أول الكتاب من عدم اشتراطها وأن مغير المنكر يجب عليه التغيير على غيره ولو كان متلبسا بعين ذلك المنكر قلت إنما ذلك فيمن وجب عليه بعموم الأمر الشرعي في قوله تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير} الآية فكان ذلك من خطاب الوجوب الذي يلزم القيام به للصالح والطالح. أما هنا فسبيله سبيل عقد الولاية الشرعية التي لا يصح لمن قام بها وصف فسق وفقد عدالة إذ العدالة مشترطة في سائر الولايات الشرعية كالإمامة الكبرى فما دونها لأن من انعقدت له الولاية في القيام بحق من الحقوق المهمة في الدين صار مفوضا له فيما قدم إليه النيابة عن المسلمين فلابد أن يكون أمينا أي أمين ولا أمانة مع من لم يقم به وصف العدالة ولذلك كان الفرق بين والي الحسبة الذي انعقدت له الولاية وبين المتطوع بها على ما قال الماوردي من تسعة أوجه.

<<  <   >  >>