لم يجز أن يأمر ولا ينهى وإذا عدم الشرط الثالث ووجد الشرطان الأولان جاز له أن يأمر وينهى ولم يجب ذلك إلا أنه يستحب له وإن غلب على ظنه أنه لا يطيعه إذ لعله سيطيعه.
تنبيه: قال الإمام أبو حامد الغزالي رضه في كتابه الذي سماه " بالأربعين" كل من شاهد منكرا ولم ينكر" وسكت عنه فهو شريكه: فالمستمع شريك المغتاب: ويجري هذا في جميع العاصي حتى في مجالسة من يلبس الحرير والديباج ويتختم بالذهب ويجلس على الحرير والجلوس في دار أو حمام على حيطانها صور أو فيها صور أو أوان من ذهب أو فضة أو الجلوس في مجلس وعظ يجري فيه ذكر البدعة أو في مجلس مناظرة أو مجادلة يجري فيها الإيذاء والإفحاش بالسفه والشتم. وبالجملة من خالط الناس كثرت معاصيه وإن كان تقيًا في نفسه إلا أن يترك المداهنة ولا يخاف في الله لومة لائم. وإنما يسقط عنه الوجوب في أمرين: أحدهما أن يعلم أنه إذا أنكر لم يلتفت إليه ولم يترك المنكر ونظر إليه بعين الاستهزاء.
قال الغزالي: وهذا هو الغالب في منكرات يرتكبها الفقهاء ومن يزعم أنه من أهل العلم والصلاح فها هنا يجوز السكوت ولكن يستحب الزجر باللسان إظهارا لشعائر الدين مهما لم يصدر على الزجر باللسان ويجب أن يفارق ذلك الموضع فليس يجوز مشاهدة المعصية بالاختيار فمن جلس مجلس الشراب فهو فاسق وإن لم يشرب وإن جالس مغتابًا أو لابس حرير أو آكل ربا أو حرام فهو فاسق إن لم يقم من موضعه وقوله سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} معناه في الزمان الذي لا ينتفع فيه بالأمر بالمعروف ولا بالنهي عن المنكر ولا يقوم من ينكره على القيام بالواجب في ذلك فيسقط الفرض فيه ويرجع أمره إلى خاصة نفسه ولا يكون عليه سوى الإنكار ولا يضره مع ذلك من ضل. يبين هذا ما روي عن أنس بن مالك رضه قال: قيل يا رسول الله متى يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قال: إذا ظهر فيكم ما ظهر في بني إسرائيل، قيل: وما إلى ذلك يا رسول الله؟ قال: إذا ظهر الإدمان في خياركم والفاحشة في صغاركم وتحول الملك والفقه في أرذالكم وشراركم. وما روي عن أبي أمية قال: سألت أبا ثعلبة الخشنى: قلت كيف نصنع في هذه الآية؟ قال أية آية؟ قلت:{يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} فقال لي: أما والله لقد سألت عنها خبيرًا سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها فقال لي ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحًا مطاعًا وهوى متبعًا ودنيا مؤثرةً وإعجاب كل ذي رأي برأيه ورأيت أمرًا لا بد لك منه فعليك بنفسك وإياك وأمر العوام فإن من ورائكم أيامًا