الصبر فيهن صبر على مثل قبس على الجمر للعامل الواحد منهم كأجر خمسين رجلًا يعملون مثل عمله.
قال الشيخ بن رشد رحه ورضه: وما أشبه زماننا بهذا الزمان تغمدنا الله منه بعفو وغفران وأقول إذا حقق الشبه في زمانه بما أنار به عليه السلام الذي كان زمانه المائة الخامسة وهي من خير الأزمنة التي تكاملت فيها مواد العلم ولاحت أنواره بوجود وذويه كالإمام أبي عبد الله محمد المازري وأبي حامد الغزالي ونظرائهما فكيف بزماننا هذا الذي هو على ما هو عليه! قال ابن رشد: ولكن مهما كان الزمان زمانًا يوجد على الحق فيه معين لله فلا يسع أحدًا فيه السكوت على المنكر وترك تغييره. قال عمر بن الخطاب رضه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه يوشك أن يعمهم بعقاب من عنده.
الثاني من الأمرين اللذين يسقط بهما الوجوب أن يعلم أنه يقدر على المنع من المنكر بأن يرى زجاجة فيها خمر فيكسرها أو يسلب آلة الملهى من يد صاحبها ويضربها على الأرض ولكن يعلم أنه يضرب أو يصاب بمكروه فهاهنا يستحب له التغيير لقول الله عز وجل {واصبر على أصابك} ولا يجب تركه لأجل ذلك. قلت: والظاهر ممن كلام ابن رشد وجوب الترك مع تيقن الإذاية لا سقوط الوجوب خاصة وبقاء الاستحباب. فتلك طريقة عز الدين بن عبد السلام. وعين ما قاله الإمام أبو حامد الطوسي رضه ولكن ما قاله ابن رشد أظهر من جانب النظر وأرجح من طريق المعنى بعموم قوله تعالى:{ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} ويكون قوله سبحانه: {واصبر على ما أصابك} مخصوصًا بشأن المخاطب هذا وهو ابن لقمان الحكم بوصية أبيه له بناء على أن شرع من قبلنا شرع لنا وعلى نفسه فلا عموم ولا خصوص هذا إن كانت الوصية منه تقرير شريعة وإنك انت مجرد وصية بالورع فليس مما نحن فيه.
ثم كمل الغزالي هذا الفصل بفائدة قوله:" وعلى الجملة فلا يسقط الوجوب إلا بمكروه في بدنه بالضرب أو في ماله بالاستهلاك أو في جاهه بالاستخفاف به بوجه يقدح في مروءته. فأما خوف استيحاش المنكر عليه وخوف تعرضه له باللسان وعداوته أو توهم سعيه في المستقبل بالسوء أو يحول بينه وبين زيادة في الخيرات بتوقعها فكل ذلك موهومات وأمور ضعيفة لا يسقط بها الوجوب".