للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ثانيًا:

إن ظاهرة التدين، المتمثلة في البحث عن قوة عليا، تعم البشر جميعهم، ولا يستغنون عنها بغريزة من الغرائز الأخرى كحب البقاء، أو حب النوع، أو حب المعرفة، أو حب الوطن أو غير ذلك من الغرائز. كما أنه ظهر في العالم عباقرة دينيون لا يهدؤون بما يجيش في نفوسهم من قوة الشعور بالمجهول وكان يمكن أن يوصف هؤلاء العباقرة بالجنون إذا لم يكن هذا المجهول يستحق الاهتمام من كل إنسان، ولكن الواقع غير ذلك فهو أحق من جميع الموجودات بالاهتمام.

وقد أصبح للحاسة الدينية أهمية كبيرة في حياة البشر العلمية أيضا، حيث جعلت عالم الخفاء (الغيب) مما يمكن أن يؤمن به الإنسان في حياته العملية بدلا مما كان عليه بحسبانه عالما للأوهام والخيالات.

فكان ذلك فتحًا علميًّا إذ لم ينحصر أثره في عالم التدين والاعتقاد لأنه وسّع آفاق الوجود وفتح البصيرة للبحث في عالم غير عالم المحسوسات. ولو ظل الإنسان ينكر كل شيء لا يحسه لما خسر بذلك الديانات وحدها بل لخسر معها العلوم والمعارف والقيم الخلقية والأدبية.

<<  <   >  >>