صحيح أن القرآن لم ينزل إلا منذ أربعة عشر قرنا بيد أن معانيه قديمة جديدة ففيها خلاصة كاملة للرسالات الأولى، وللنصائح التي بذلت للإنسانية من فجر وجودها، فالقرآن ملتقى رائع للحكم البالغة التي قرعت آذان الأمم في شتى العصور، واستعراض مجمل الشرائع الإلهية التي احتاجت إليها الأرض جيلا بعد جيل.
إنه لذلك مجمع الحقائق الثابتة، ومجلى عناية الله بعباده مذ خلقوا، وإلى اليوم، وإلى أن تنقضي الدنيا. وإظهارا لهذا المعنى يقول الله تعالى في سورة الأعلى بعد أن ذكر بعض آياته في الخلق ثم أمر رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بالتذكير ثم بين فلاح من تزكى وخسارة من لم يتذكر، وأن طبيعة الناس إيثار الحياة الدنيا مع أن الآخرة خير وأبقى، وعقب ذلك بقوله:{إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى}{صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} فالدين قد اكتمل بنزول القرآن، وليس بالناس حاجة لغيره، قال تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} .