للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

يهديه من بعد الله، وَكَيف تجَاوز هَؤُلَاءِ الْمُلْحِدُونَ الْحُدُود، وتعدوا الرسوم وخرقوا سياج الشَّرِيعَة والحقيقة، فظنوا بذلك أَنهم على هدى من رَبهم وَلَيْسوا كَذَلِك، بل هم على أَسْوَأ الضلال وأقبح الْخِصَال وأبلغ المَقَّتْ والخسران وأنهى الْكَذِب والبهتان فخذل الله متَّبِعهم وطهر الأَرْض من أمثالهم.

وَإِيَّاك أَن تغتر أَيْضا بِمَا وَقع فِي [الغُنْية] لإِمَام العارفين وقطب الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين الْأُسْتَاذ عبد الْقَادِر الجيلاني، فَإِنَّهُ دسَّه عَلَيْهِ فِيهَا مَنْ سينتقم اللَّهُ مِنْهُ وَإِلَّا فَهُوَ برىء من ذَلِك وَكَيف تُروَّج عَلَيْهِ هَذِه الْمَسْأَلَة الْوَاهِيَة مَعَ تضَّلُعه من الْكتاب وَالسّنة وَفقه الشَّافِعِيَّة والحنابلة حَتَّى كَانَ يُفْتِي على المذهبين، هَذَا مَعَ مَا انضْم لذَلِك من أَن الله منّ عَلَيْهِ من المعارف والخوارق الظَّاهِرَة والباطنة وَمَا أنبأ عَنهُ مَا ظهر عَلَيْهِ وتواتر من أَحْوَاله، وَمِنْه مَا حَكَاهُ اليافعي رَحمَه الله وَقَالَ: مِمَّا علمناه بالسند الصَّحِيح الْمُتَّصِل أَن الشَّيْخ عبد الْقَادِر الجيلاني أكل دجَاجَة ثمَّ لما لم يبْق غير الْعظم توجه إِلَى الله فِي إحيائها فأحياها الله إِلَيْهِ وَقَامَت تجْرِي بَين يَدَيْهِ كَمَا كَانَت قبل ذَبحهَا وطبخها، فَمن امتَّن الله عَلَيْهِ بِمثل هَذِه الكرامات الباهرة يتَصَوَّر أَو يتَوَهَّم أَنه قَائِل بِتِلْكَ القبائح الَّتِي لَا يصدر مثلهَا إِلَّا عَن الْيَهُود وأمثالهم مِمَّن استحكم فِيهِ الْجَهْل بِاللَّه وَصِفَاته وَمَا يجب لَهُ وَمَا يجوز وَمَا يَسْتَحِيل: {سُبْحَانَكَ هَاذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النُّور: ١٧، ١٨] . وَمِمَّا يقطع بِهِ كل عَاقل أَن الشَّيْخ عبد الْقَادِر لم يكن غافلاً عَمَّا فِي (رِسَالَة الْقشيرِي) الَّتِي سَارَتْ بهَا الركْبَان واشتهرت بَين سَائِر الْمُسلمين سِيمَا أهل التَّحْقِيق والعِرْفان، وَإِذا لم يجهل ذَلِك فَكيف يتوَّهم فِيهِ هَذِه القبيحة الشنيعة، وفيهَا عَن بعض رجالها أَئِمَّة الْقَوْم السالمين عَن كل مَحْذُور ولوم أَنه قَالَ: كَانَ فِي نَفسِي شَيْء من حَدِيث الْجِهَة فَلَمَّا زَالَ ذَلِك عني كتبتُ إِلَى أَصْحَابنَا إِنِّي قد أسلمت الْآن، فَتَأمل ذَلِك واعتن بِهِ لَعَلَّك توفق للحق إِن شَاءَ الله تَعَالَى وتجري على سنَن الاسْتقَامَة، وَلم نعلم أحدا من فُقَهَاء الشَّافِعِيَّة ابتلى بِهَذَا الإعتقاد الْفَاسِد الْقَبِيح الَّذِي رُبمَا أدّى إِلَى الْكفْر وَالْعِيَاذ بِاللَّه إِلَّا مَا نقل على العمراني صَاحب الْبَيَان وَلَعَلَّه كُذِب عَلَيْهِ، أَو أَنه تَابَ مِنْهُ قبل مَوته بِدَلِيل أَن الله تَعَالَى نفع بكتبه شرقاً وغرباً، ومَنْ على ذَلِك الإعتقاد لَا ينفع الله بِشَيْء من آثاره غَالِبا.

٢١٢ - وسئلت: عَن مطالعة كتب العقائد؟ فأجبت بِقَوْلِي: لَا يَنْبَغِي للْإنْسَان الَّذِي لم يحط بمقدمات الْعُلُوم الإلهية والبراهين القطعية أَن يشْتَغل بمطالعة شَيْء من كتب العقائد المشكلة، فَإِنَّهَا مزلة الْأَقْدَام للعوام جالبة لوقوعهم فِي ورطة الْحيرَة والأوهام، بل رُبمَا أدّى بهم ذَلِك إِلَى الْكفْر الصَّرِيح والابتداع الْقَبِيح، فليترك الْعَاقِل ذَلِك إِذا أَرَادَ سَلامَة دينه، فَإِن كَانَ فَاعِلا وَلَا بُد فَيلْزم شَيخا عَالما بفن الْكَلَام وَغَيره نَصوحاً سليم العقيدة فليقرأ عَلَيْهِ فِي ذَلِك مبتدئاً فِيهِ إِلَى أَن يُحِيط بِشَيْء مِنْهُ بِقدر مَا يصحح بِهِ عقيدته ثمَّ يتْرك التوغل فِي ذَلِك فَإِنَّهُ الضلال الْأَكْبَر كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ إمامنا الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وأرضاه وَجعل الفردوس متقلبة ومثواه آمين.

٢١٣ - وَسُئِلَ نفع الله بِهِ، بِمَا لَفظه: طعن بعض النَّاس فِي أبي الْحسن وَأبي إِسْحَق الْأَشْعَرِيين والباقلاني وَابْن فورك وَأبي الْمَعَالِي إِمَام الْحَرَمَيْنِ والباجي وَغَيرهم مِمَّن تكلم فِي الْأُصُول ورد على أهل الْأَهْوَاء بل رُبمَا بَالغ بعض الملحدة فَادّعى كفرهم فَهَل هَؤُلَاءِ كَمَا قَالَ ذَلِك الطاعن أَو لَا؟ فَأجَاب بقوله: لَيْسُوا كَمَا قَالَ ذَلِك الخارق المارق المجازف الضَّالّ الغال الْجَاهِل المائل، بل هم أَئِمَّة الدّين وفحول عُلَمَاء الْمُسلمين فَيجب الِاقْتِدَاء بهم لقيامهم بنصرة الشَّرِيعَة وإيضاح المشكلات ورَّدِ شُبَه أهل الزيغ وَمَا يجب من الاعتقادات والديانات لعلمهم بِاللَّه وَمَا يجب لَهُ، وَمَا يَسْتَحِيل عَلَيْهِ، وَمَا يجوز فِي حَقه، وَلَا يعرف الْوُصُول إِلَّا بعد معرفَة الْأُصُول، ومِنْ ثُمَّ فضَّل أَقوام عُلُوم الْقُرْآن والْحَدِيث وقدموها على حفظ الْمسَائِل الْفِقْهِيَّة حَتَّى أدّى ذَلِك بعض مُلُوكهمْ إِلَى أَن توعَّد الْفُقَهَاء وأخافهم، وَبَعْضهمْ حبس النَّاس على اشتغالهم بالمدونة وأحرقها حَتَّى اجْتمع القَاضِي ابْن زرقون فِي حَضْرَة بعض أمرائهم فَقَالَ: هَل بَقِي أحد مِمَّن ينتحل هَذَا الْمَذْهَب فَقَالَ بعض الظَّاهِرِيَّة: لم يبْق مِنْهُم إِلَّا الْقَلِيل، فَقَالَ: إِنَّهُم يحكمون فِي دين الله بِغَيْر دَلِيل يَقُولُونَ فِي الْمصلى بِنَجَاسَة يُعِيد فِي الْوَقْت لِأَن النَّجَاسَة إِن كَانَ غسلهَا وَاجِبا أعَاد أبدا وَإِلَّا فَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ فالإعادة فِي الْوَقْت مَا قَامَ عَلَيْهَا دَلِيل. فَأَجَابَهُ ابْن زرقون فَقَالَ لَهُ: الأَصْل فِي ذَلِك حَدِيث الْأَعرَابِي الْمَشْهُور وَقَوله: (ارْجع فصل فَإنَّك لم تصل) وَلم يَأْتِ فِي طرف الحَدِيث أَنه أمره

<<  <   >  >>