للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فِي الْمَسْجِد وَهُوَ بعيد، إذْ لَا ضَرُورَة فيردُّ بِأَن تنظيره إِنَّمَا يَأْتِي إِذا قُلْنَا إنَّ الْعلَّة عظم الْمَشَقَّة فِي تَكْلِيف الصّبيان اسْتِصْحَاب الطَّهَارَة، وَهُوَ مَا صرح بِهِ الشَّيْخَانِ. أما إِذا قُلْنَا بِمَا فِي (التَّهْذِيب) مِنْ أنَّ الْعلَّة أنَّ طَهَارَة الصَّبِي نَاقِصَة فَلَا معنى لاشتراطها فَكَلَام النَّوَوِيّ حينئذٍ وَاضح لَا غُبَار عَلَيْهِ، على أنَّ الَّذِي يَنْبَغِي أَن الْعلَّة مركبة وَعَلِيهِ فَكَلَام النَّوَوِيّ وَاضح أَيْضا، وَيرد قِيَاسه بِإِمْكَان الْفرق بَينهمَا بِأَن احْتِيَاجه إِلَى الْقُرْآن ومسّ الْمُصحف لأجل تعلمه مِنْهُ أَكثر من احْتِيَاجه إِلَى الْمَسْجِد فَلم تكن ضَرُورَة إِلَى إِبَاحَة دُخُوله، على أَن قَضِيَّة عِلّة (التَّهْذِيب) السَّابِقَة أَنه يجوز لَهُ الْمكْث فِي الْمَسْجِد جُنُباً أَيْضا وَجزم بِهِ بعض الْمُتَأَخِّرين. وَالله أعلم.

٢٣٨ - وَسُئِلَ رَضِي الله عَنهُ: عَن رجل فسر آيَة من آيَات الْقُرْآن الْمُبين بتفسير أبي الْحسن الواحدي وَابْن عَبَّاس والزجاج وَعَطَاء وَغَيرهم من الْعلمَاء الْمُجْتَهدين المعتبرين كَمَا فُسِّر فِي تفسيرهم، هَل يجوز لَهُ ذَلِك أم لَا؟ فَأجَاب بقوله: إِنَّه لَا حرج على من ذكر تفاسير الْأَئِمَّة على وَجههَا من غير أَن يتصرَّف فِيهَا بِزِيَادَة أَو نقص، بل هُوَ مأجور مثاب على ذَلِك، لكنْ يَنْبَغِي لَهُ إِن كَانَ يذكر ذَلِك التَّفْسِير للعامة أَن يتحَرَّى لَهُم الْأَلْيَق بحالهم مِمَّا تحتمله عُقُولهمْ، فَلَا يذكر لَهُم شَيْئا من غرائب التَّفْسِير ومُشْكلاته الَّتِي لَا تحتملها عُقُولهمْ، لِأَن ذَلِك يكون فتْنَة لَهُم وضلالاً بَينا، ومِنْ ثمَّة يجب على الْحَاكِم أصلحه الله مَنْعَ من يفعل ذَلِك من جهلة الوعاظ لأَنهم يضِّلون ويُضلَّون، وَكَذَلِكَ يجب عَلَيْهِ أَيْضا أَن يمْنَع من ينْقل التفاسير الْبَاطِلَة كتفسير من يتَكَلَّم فِي التَّفْسِير بِرَأْيهِ مَعَ عدم أَهْلِيَّته لذَلِك، وَمن يتَكَلَّم فِي التَّفْسِير بِمَا قَالَه الْأَئِمَّة لَكِن لَا يفهمهُ على وَجهه لعدم الْآلَات عِنْده فَإِن التَّفْسِير علم نَفِيس خطير، لَا يَلِيق بِكُل أحد أَن يتَكَلَّم فِيهِ، وَلَا أَن يَخُوض فِيهِ، إِلَّا إِذا أتقن آلاته الَّتِي يحْتَاج إِلَيْهَا كعلم السّنة وَالْفِقْه واللغة والنحو والمعاني وَالْبَيَان وَغَيرهَا من الْعُلُوم الْمُتَعَلّقَة بِلِسَان الْعَرَب، فَمن أتقن ذَلِك يساغ لَهُ الْكَلَام فِيهِ وَمن لم يتقن ذَلِك اقْتصر على مُجَرّد نقل مَا قَالَه أَئِمَّة التَّفْسِير بِمَا ذكره الْأَئِمَّة الْمُتَأَخّرُونَ عَنْهُم كالواحدي وَالْبَغوِيّ والقرطبي وَالْإِمَام الْفَخر الرَّازِيّ والبيضاوي وَغَيرهم، وَلَا يذكر من كَلَام هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة إِلَّا مَا يَلِيق بِمن يذكرهُ لَهُم من غير أَن يتَصَرَّف فِيهِ بِشَيْء. وَالْحَاصِل أَن هَذَا مَسْلَك خطِر وَطَرِيق وعِر فَيَنْبَغِي التحرِّي فِي سلوكه حَذَراً من الضلال والإضلال، وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم.

٢٣٩ - وَسُئِلَ نفع الله بِهِ: عَن قَول الله تَعَالَى: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهُ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس ٣٤، ٣٧] هَل هَذِه الْآيَة خَاصَّة أَو عَامَّة، وَمَا معنى لفظ الْمَرْء فِي هَذِه الْآيَة هَل يَشْمَل الْكَافِر وَالْمُسلم، والفرار يَوْم الْقِيَامَة هَل يكون من الْمُسلم وَالْكَافِر أَو من الْكَافِر خَاصَّة؟ فَأجَاب بقوله: إِن الْآيَة عَامَّة كَمَا يدل عَلَيْهِ سياقها ونظمها. وَيدل لذَلِك حَدِيث التِّرْمِذِيّ بِإِسْنَاد حسن صَحِيح عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (تحشرون حُفَاة عُرَاة غُرْلاً (غير مختونين) فَقَالَت امْرَأَة أَو يُبْصر أَو يُرى بعضُهم عَورَة بعض؟ قَالَ يَا فُلَانَة {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ} وَيدل لذَلِك أَيْضا مَا رَوَاهُ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْآيَة: أَن معنى الْفِرَار من هَؤُلَاءِ التباعد عَنْهُم وَعدم الِالْتِفَات إِلَى وَاحِد مِنْهُم اشتغالاً عَنْهُم بِمَا هُوَ فِيهِ مِمَّا لَا يُطيق حمله وخوفاً أَنهم يطالبونه بحقوقهم، كمواساة الْأَخ وبرّ الْوَالِدين وتوفية الصاحبة مَا وَجب لَهَا، وَالتَّقْصِير فِي حق الْبَنِينَ بِعَدَمِ التَّعْلِيم والإرشاد، وَلذَلِك قيل أول من يفِرُّ من أَخِيه هابيل، وَمن أَبِيه إِبْرَاهِيم على نَبينَا وَعَلِيهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَمن صاحبته لوط عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَمن وَلَده نوح عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَقيل إِن الْمَرْء يفِّر من مُوالَاة هَؤُلَاءِ ونصرتهم، لأَنهم الَّذين كَانَ يفر إِلَيْهِم فِي الدُّنْيَا ويعتزَّ ويتقوّى بهم فَلم ينفعوه فِي الْآخِرَة بل يتباعد عَنْهُم ثمَّ، وَلم يَرْج فيهم نفعا بِقُرْبِهِ إِلَيْهِم بل خشِي مِنْهُم ضَرَرا عَظِيما حمله على التباعد الشَّديد الْمعبر عَنهُ بالفرار عَنْهُم، وَلِهَذَا يظْهر للعاقل أَن ذَلِك الْيَوْم لَا ينفع فِيهِ شَيْء من الصُّور المحبوبة فِي الدُّنْيَا وَإِنَّمَا تَنْفَع فِيهِ الْأَعْمَال الصَّالِحَة، بل تنْقَلب تِلْكَ الصُّور المحبوبة أَعدَاء يَنْفُر عَنْهَا وَلَا يتَقرَّب إِلَيْهَا، وَمن ثمَّ قَالَ تَعَالَى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَواةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلاً} [الْكَهْف: ٤٦] وَقَالَ: {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَ احْذَرُوهُمْ} [التغابن: ١٤] فحذَّر الله مِنْهُم فِي الدُّنْيَا قبل أَن يفِّر مِنْهُم فِي الْآخِرَة، وَهَذَا الْفِرَار قبيل دُخُول الْجنَّة أما فِيهَا فَلَا يكون فِيهَا إِلَّا الِاجْتِمَاع والمشاهدة.

{وَالَّذِينَءَامَنُواْ وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} والذريّة هُنَا تَشْمَل الْآبَاء كالأبناء، وَنَظِيره {وَءَايَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} أَي آبَاءَهُم فاستفيد مِنْهُ إِطْلَاق الذريّة على الْآبَاء وحدهم وعَلى مَا يشملهم مَعَ الْأَبْنَاء، ثمَّ مَا ذكر فِي الْآيَة من بَاب الترقي لِأَن الْأَبَوَيْنِ أقرب من الْإِخْوَة وَتعلق الْقلب والالتصاق بالصاحبة أشدّ مِنْهُ بهما وَذَلِكَ بالابن أشدّ مِنْهُ بهَا، فَكَأَنَّهُ قيل من أَخِيه بل من أَبَوَيْهِ مَعَ مزِيد قربهما بل من صاحبته مَعَ مزِيد تعلقه بهَا بل من الابْن الَّذِي هُوَ الْغَايَة فِي التَّعَلُّق بِهِ وَعدم مُسَاوَاة أحد لَهُ فِي هَذِه الْمرتبَة، وَذَلِكَ يُنْبئُك عَن عَظِيم شدّة الهول الَّذِي تعين فِي ذَلِك الْيَوْم حَتَّى يَحْمِل على الْفِرَار من

<<  <   >  >>