للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فِي الْإِتْيَان بهَا بِهَذَا الْبَيَان مَعَ الِاكْتِفَاء عَنهُ بإذا نُودي لصَلَاة الْجُمُعَة فالقصد بَيَان ذَلِك بَيَانا شافيا (فَأجَاب) نفعتا الله بِعُلُومِهِ بقوله أما الْجَواب عَن الأول فَهُوَ أَن الْجَواب مُطَابق للسؤال وَلَو مَعَ ذَلِك الِاحْتِمَال كَمَا هُوَ ظَاهر بِأَدْنَى دَلِيل بَيَانه أَنه لما كَانَ ينزل عَلَيْهِم الْمَنّ والسلوى وَحدهمَا لم يَكُونُوا يتناولون شيأ غَيرهمَا فملوا من ذَلِك بِحَسب الطَّبْع الْبُشْرَى وتفننوا على اخْتِلَاف مَرَاتِبهمْ فسألوا أَن يستبدلوا عَنْهُمَا البقل وَمَا بعده وَهَذَا السُّؤَال صَادِق بِأَن يَكُونُوا قد سَأَلُوا رفع ذَيْنك بِالْكُلِّيَّةِ وَبِأَن يَكُونُوا قد سَأَلُوا إبقائهما وَضم نَحْو البقل إِلَيْهِمَا وَفِي كل من هذَيْن الِاحْتِمَالَيْنِ استبدال أما الأول فَوَاضِح وَأما الثَّانِي فلأنهم قبل السُّؤَال كَانُوا مضطرين إِلَى تنَاول الْمَنّ والسلوى فَلَمَّا سَأَلُوا وأجيبوا لم يضطروا إِلَيْهِمَا وَحِينَئِذٍ فهما كَانَا ينزلان وَلَا يتناولونهما أَو يتناولون مَعَهُمَا تِلْكَ الْأُمُور الْأُخْرَى وعَلى كل تَقْدِير استبدلوا الَّذِي هُوَ أدنى بِالَّذِي هُوَ خير لأَنهم كَانُوا يتناولون الَّذِي هُوَ خير وَحده وصاروا يتناولون غَيره مَعَه أَو يعرضون عَنهُ أَو يشركُونَ وَبِهَذَا الَّذِي ذكرته انْدفع قَول السَّائِل وَالتَّعْبِير بالاستبدال مُقْتَض الخ وَوجه اندفاعه ظَاهر لِأَنَّهُ لَا يَقْتَضِي إِلَّا الْإِعْرَاض عَن أكله مَعَ نُزُوله أَو إشراك غَيره مَعَه وَأما زعم اقتضائه أَنهم سَأَلُوا رَفعه بِالْكُلِّيَّةِ المبنى عَلَيْهِ توهم عدم الْمُطَابقَة فَلَا وَجه لَهُ على أَن فِيهِ سوء تَعْبِير يجانب مثله فِي الْقُرْآن مَا أمكن وَقد وَقع نَظِيره للكشاف فِي مَوَاضِع وَهُوَ مَعْدُود من هفواته وَكَانَ الصَّوَاب للسَّائِل أَن يَقُول لم تفهم الْمُطَابقَة بَين السُّؤَال وَالْجَوَاب فَمَا وَجههَا مَعَ احْتِمَال كَذَا ثمَّ رَأَيْت عَن بعض الْمُحَقِّقين التَّصْرِيح بِمَا ذكرته وَعبارَته فَإِن قلت الِاسْتِبْدَال يَقْتَضِي ترك الْمُبدل مِنْهُ وهم لم يطلبوا ذَلِك وَإِنَّمَا طلبُوا الزِّيَادَة عَلَيْهِ فَكيف يُنَاسب الْجَواب قلت الْعَادة تَقْتَضِي أَن من كَانَ بَين يَدَيْهِ طَعَام وَاحِد أكل مِنْهُ حَتَّى يشْبع فَإِذا كَانَ بَين يَدَيْهِ طعامان ترك موضعا للطعام الثَّانِي انْتهى فَجعل الْمُشَاركَة مقتضية للاستبدال وَهُوَ عين مَا قَدمته بِزِيَادَة وَأما الْجَواب عَن الثَّانِي فَهُوَ أَن لذَلِك الْبَيَان غير مَا أَفَادَهُ موقعه من نُكْتَة الْإِجْمَاع الَّذِي فِي إِذا وَالْبَيَان الَّذِي فِي من يَوْم الْجُمُعَة فَوَائِد أخر يَتَرَتَّب عَلَيْهَا أَحْكَام شَرْعِيَّة جعلهَا أَصْحَابنَا مستنبطة من الْآيَة ومدلولا عَلَيْهَا بهَا وَذَلِكَ أَن لفظ الْيَوْم أضيف فِي ذَلِك الْبَيَان للْجُمُعَة فَاقْتضى أَنَّهَا مُضَافَة إِلَيْهِ فَهِيَ الْمَقْصُودَة مِنْهُ وَأَنه من أَوله مَنْسُوب إِلَيْهَا فَلذَلِك حرمُوا السّفر المقوت لَهَا من الْفجْر وأوجبوا السَّعْي إِلَيْهَا مِنْهُ أَيْضا على بعيد الدَّار وحكموا بِدُخُول الْغسْل لَهَا وَالتَّكْبِير إِلَيْهَا بِالْفَجْرِ فَهَذِهِ الْأَحْكَام الْكَثِيرَة الَّتِي هِيَ مَحل خلاف منتشر بَيْننَا وَبَين الْأَئِمَّة استفيدت من هَذَا الْبَيَان وَلَو حذف وَقيل لصَلَاة الْجُمُعَة لم يستفد مِنْهَا شَيْء من ذَلِك فَوَقع الْبَيَان بذلك على أبلغ وَجه وأجمله وأفوده كَمَا هُوَ شَأْن الْقُرْآن الْعَظِيم (وَسُئِلَ) نفع الله بِهِ عَن قَوْله تَعَالَى فِي قصَّة ذِي القرنين {وَوجد عِنْدهَا قوما} الْآيَة هَل أسلم هَؤُلَاءِ الْقَوْم أَو لَا وماذا فعل بعد تخبيره بَين الْأَمريْنِ (فَأجَاب) بقوله آمن بَعضهم وَكفر بَعضهم فَعَذَّبَهُ حَتَّى يرجع إِلَيْهِ كَمَا ذكر ذَلِك الْبَغَوِيّ عَن وهب بن مُنَبّه حَيْثُ قَالَ عَنهُ إِن ذَا القرنين كَانَ رجلا من الرّوم ابْن عَجُوز فَلَمَّا بلغ كَانَ عبدا صَالحا فَقَالَ لَهُ الله إِنِّي باعثك إِلَى أُمَم مُخْتَلفَة ألسنتهم مِنْهُم اثْنَتَانِ بَينهمَا طول الأَرْض إِحْدَاهمَا عِنْد مغرب الشَّمْس يُقَال لَهَا ناسكة وَالْأُخْرَى عِنْد مطْلعهَا يُقَال لَهَا منسك فَقَالَ ذُو القرنين بِأَيّ قوم أكابرهم وَبِأَيِّ جمع أكاثرهم أَو بِأَيّ لِسَان أناطقهم قَالَ الله تَعَالَى أَنِّي سأطوقك وألبسك الهيبة فَلَا يردعك شَيْء وأسخر لَك النُّور والظلمة وأجعلهما من جنودك يهديك النُّور من أمامك وتحفظك الظلمَة من ورائك فَانْطَلق حَتَّى أَتَى مغرب الشَّمْس فَوجدَ جمعا وعددا لَا يحصيهم إِلَّا الله تَعَالَى وكاثرهم بالظلمة حَتَّى جمعهم فِي مَكَان وَاحِد فَدَعَاهُمْ إِلَى الله فَمنهمْ من آمن بِهِ وَمِنْهُم من صد عَنهُ فَعمد إِلَى الَّذين توَلّوا عَنهُ فَأدْخل عَلَيْهِم الظلمَة فَدخلت فِي أَجْوَافهم وَبُيُوتهمْ فَدَخَلُوا فِي دَعوته فجند من أهل الْمغرب جندا عَظِيما فَانْطَلق يقودهم والظلمة تسوقهم حَتَّى أَتَى مطلع الشَّمْس فَعمل فِيهَا مثل مَا عمل فِي الْمغرب انْتهى مُلَخصا فَقَوله فَمنهمْ من آمن بِهِ الخ فِيهِ جَوَاب السُّؤَال وَالله سُبْحَانَهُ يجزينا على مَا عهدنا من غَايَة الإفضال وَنِهَايَة النوال أَنه أكْرم كريم وأرحم رَحِيم (وَسُئِلَ) نفع الله بِعُلُومِهِ عَن معنى قَول الْعَلامَة الْحَافِظ عُمْدَة الْمُحدثين والقراء الشَّمْس ابْن الْجَزرِي رَحمَه الله فِي مقدمته وطيبته ونشره يتحتم أَن يُرَاعى فِي الْقُرْآن الْعَظِيم قَوَاعِد لُغَة الْعَرَب

<<  <   >  >>