من ترقيق المرقق وتفخيم المخفم وإدغام المدغم وَإِظْهَار الْمظهر وإخفاء المخفي وقلب المقلوب وَمد الْمَمْدُود وَقصر الْمَقْصُور حَتَّى لَا يُكَرر الْقَارئ رَاء وَلَا يظنّ نونا وَلَا يشدد ملينا وَلَا يلين مشددا وَلَا يتْرك بَيَان غنة وَلَا يشوه الْحُرُوف فيفسدها بذهاب حسنها ورونقها وطلاوتها من حَيْثُ أَنه يجْرِي مجْرى الْإِرْث والألثغ بل يَأْتِي بمخارج الْحُرُوف بصفاتها وكيفياتها فَإِن حسن الْأَدَاء وَاجِب على الصَّحِيح بل الصَّوَاب ٢ وَإِن كَانَ مَا فِي حيّز حَتَّى يُسمى لحنا خفِيا لِأَنَّهُ لَا يُدْرِكهُ إِلَّا مَشَايِخ الْأَدَاء فَهُوَ لَازم فتاركه مضلا عَمَّا قبله فضلا عَن تَحْرِيف الْإِعْرَاب وَالْبناء المفضي إِلَى تَغْيِير الْمَعْنى فَإِنَّهُمَا من اللّحن الْجَلِيّ آثم فَاسق مرتكب لحرام معاقب على فعله عَادل بِالْقُرْآنِ عَن نهجه القويم وَقد قَالَ تَعَالَى قُرْآنًا عَرَبيا غير ذِي عوج فَلَا يعْذر إِلَّا لتعذر الْإِتْيَان بِهِ على الْوَجْه الْمَذْكُور مِنْهُ فَحِينَئِذٍ لَا بُد من التجويد الْمشَار إِلَيْهِ بقوله تَعَالَى ورتل الْقُرْآن ترتيلا وَهُوَ يعم التَّحْقِيق والتدوير والحدر وَلَا يخْتَص بِالْأولِ الْأَفْضَل كَمَا يتوهمه من لَا طبع لَهُ سليم وَلَا ذوق عِنْده مُسْتَقِيم هَذَا وَيَنْبَغِي تَحْسِين الصَّوْت بِالْقُرْآنِ كَمَا قَالَ:
(وَيقْرَأ الْقُرْآن بالتحقيق مَعَ ... حدر وتدوير كل مُتبع)
(مَعَ حسن صَوت بِلُحُونِ الْعَرَب ... مرتلا مجودا بالعرب)
(وَالْأَخْذ بالتجويد حتم لَازم ... من لم يجود الْقُرْآن آثم)
(لِأَنَّهُ بِهِ الْإِلَه أنزلا ... وَهَكَذَا مِنْهُ إِلَيْنَا وصلا)
قَالَ فَمن لَا يلْزم ذَلِك الَّذِي هُوَ سليقة الْعَرَب لَا يحسنون غَيره بِغَيْر لغته فَلَا يكون قَارِئًا بل هازئا وَهُوَ عَاشَ لكتابه تَعَالَى من الَّذين ضل سَعْيهمْ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وهم يحسبون أَنهم يحسنون صنعا دَاخل فِي خبر رب قَارِئ وَالْقُرْآن يلعنه فَهَل الحكم كَمَا ذكر أَو هُنَا تَفْصِيل بَين الْجَلِيّ والخفي إِذْ الْخَفي الَّذِي لَا يُغير الْمَعْنى والجلي المغير للمعنى والجلي والخفي ضدان كَمَا سبق إِلَى بعض الأذهان أخذا من كَلَام بَعضهم على الْمُقدمَة بينوا لنا ذَلِك فالبلوى قد عَمت بالتسامح فِي ذَلِك (فَأجَاب) رَضِي الله عَنهُ بقوله قد اخْتلف المتكلمون على كَلَام هَذَا الحبر فَقَالَ بَعضهم حمل الْوُجُوب وَنَحْوه من الْأَلْفَاظ الْوَاقِعَة فِي كَلَامه الْمَذْكُور عَنهُ فِي السُّؤَال على الْوُجُوب الصناعي لَا الشَّرْعِيّ وَبَعْضهمْ أجْرى كَلَامه على ظَاهره وَلم يؤوله بِمَا ذكر وَالْحق فِي ذَلِك تَفْصِيل وَإِن كَانَ مِمَّن جرى على الْإِطْلَاق الأول شَيخنَا خَاتِمَة الْمُتَأَخِّرين أَبُو يحيى زَكَرِيَّا الْأنْصَارِيّ سقى الله ثراه صيب الرَّحْمَة والرضوان وَأَعْلَى دَرَجَته فِي الْجنان آمين فقد دلّ كَلَام الْأَصْحَاب رَضِي الله عَنْهُم وشكر سَعْيهمْ على ذَلِك التَّفْصِيل فَلم يسع الْعُدُول عَنهُ وَبَيَان ذَلِك أَن النَّوَوِيّ رَحمَه الله قَالَ فِي شرح الْمُهَذّب نقلا عَن الشَّيْخ الإِمَام الْمجمع على جلالته وصلاحه وإمامته أبي مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ الَّذِي قيل فِي تَرْجَمته لَو جَازَ أَن يبْعَث الله فِي هَذِه الْأمة نَبيا لَكَانَ أَبَا مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ أعلم أَن من النَّاس من بَالغ فِي الترتيل فَجعل الْكَلِمَة كَلِمَتَيْنِ قَاصِدا بذلك إِظْهَار الْحُرُوف كَقَوْلِه نستعين ويقفون بَين السِّين وَالتَّاء وَقْفَة لَطِيفَة فَيقطع الْحَرْف عَن الْحَرْف والكلمة عَن الْكَلِمَة وَهَذَا لَا يجوز لِأَن الْكَلِمَة الْوَاحِدَة لَا تحْتَمل الْقطع والفصل وَالْوَقْف على أَثْنَائِهَا وَإِنَّمَا الْقدر الْجَائِز من التَّنْزِيل أَن يخرج الْحَرْف من مخرجه ثمَّ ينْتَقل إِلَى الَّذِي بعده مُتَّصِلا بِلَا وَقْفَة من الترتيل وصل الْحُرُوف والكلمات على ضرب من التأني وَلَيْسَ مِنْهَا فصلها وَلَا الْوُقُوف فِي غير مَحَله وَمن تَمام التِّلَاوَة إشمام الْحَرَكَة الْوَاقِعَة على الْمَوْقُوف عَلَيْهِ اختلاسا لَا إشباعا انْتهى وَأقرهُ النَّوَوِيّ رَحمَه الله على ذَلِك وَبِه إِن تأملته تعلم أَنه لَا بُد من ذَلِك التَّفْصِيل وَهُوَ أَنه يجب وجوبا شَرْعِيًّا على الْقَارئ أَن يُرَاعى فِي قِرَاءَته الْفَاتِحَة وَغَيرهَا مَا أجمع الْقُرَّاء على وُجُوبه دون مَا اخْتلفُوا فِيهِ وَذَلِكَ لِأَن مَا وَقع الِاتِّفَاق عَلَيْهِ يعلم أَنه - صلى الله عليه وسلم - لم يقْرَأ بِغَيْرِهِ ومدار الْقِرَاءَة إِنَّمَا هُوَ على الِاتِّبَاع إِذْ لَا مجَال للرأي فِيهَا بِوَجْه فَمن قَرَأَ بِخِلَاف مَا وَقع الْإِجْمَاع عَلَيْهِ يكون مبتدعا شيأ فِي كَلَام الله تَعَالَى وابتداع مَا لم يرد فِي الْقُرْآن لَا يشك من لَهُ أدنى مسكة أَنه محرم شَدِيد التَّحْرِيم بِخِلَاف مَا وَقع الِاخْتِلَاف فِيهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ كَذَلِك فَمن ثمَّ لم يكن على الْقَارئ بِهِ حرج أَلا ترى أَن الْبَسْمَلَة لما وَقع الِاخْتِلَاف فِي إِثْبَاتهَا وَلَفْظَة من فِي {تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار} فِي سُورَة بَرَاءَة ونظائر ذَلِك لم يكن على مثبتها وعَلى مسقطها حرج لِأَن كلا من الْإِثْبَات
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute