للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَقيل مَا نُكْتَة قَوْله تَعَالَى فِي الأَرْض قَالَ وَلَيْسَ هَذَا مِثَال قَوْله تَعَالَى {وَمَا لَهُم فِي الأَرْض من ولي وَلَا نصير} لِأَن مَعْنَاهُ فِي الأَرْض كلهَا فَلَو لم يَأْتِ بِهِ لاحتمل أَن يكون خَاصّا بِبَعْض الأَرْض انْتهى فَمَا الْجَواب (فَأجَاب) رَضِي الله عَنهُ بقوله إِنَّمَا يتَوَجَّه سُؤَاله لَو صَحَّ مَا فرق بِهِ بَين الْآيَتَيْنِ وَالظَّاهِر أَنه غير صَحِيح وَبَيَانه أَن فِي الأَرْض فِي كل مِنْهُمَا وَقعت فِي حيّز مَا يُفِيد الْعُمُوم وَهُوَ النَّهْي فِي الأول وَالنَّفْي فِي الثَّانِي وَحِينَئِذٍ فمفاد الأولى النَّهْي عَن جَمِيع أَنْوَاع الْفساد ومفاد الثَّانِيَة انْتِفَاء وجود ولي ونصير لَهُم بِسَائِر أنواعهما فاستويا فِي أَن ذكر فِي الأَرْض فِي كل مِنْهُمَا يسئل عَن حكمته لِأَنَّهُ لَو حذف لصَحَّ الْكَلَام بِدُونِهِ وَقَوله لَو لم يَأْتِ بِهِ لاحتمل الخ قد علمت أَنه غير مُتَوَجّه لما تقرر أَن النَّفْي أَفَادَ أَنه لَا يُوجد لَهُم ولي وَلَا نصير أصلا لَا سِيمَا أَن قُلْنَا أَن عُمُوم الْأَشْخَاص يسْتَلْزم عُمُوم الْأَزْمِنَة والأمكنة فَإِن قَالَ إِن الْعُمُوم عندنَا بِسَائِر أقسامه ظَنِّي لَا قَطْعِيّ فَلَا يَنْفِي الِاحْتِمَال الْمَذْكُور قُلْنَا وَكَذَا هُوَ فِي لَا تفسدوا فَكَمَا احْتِيجَ ذكر فِي الأَرْض فِي الْآيَة الثَّانِيَة لمنع ذَلِك الِاحْتِمَال كَذَلِك يحْتَاج إِلَيْهِ فِي الأولى لمنع نَظِيره إِذْ لَو حذف لاحتمل أَن النَّهْي عَن الْفساد خَاص بِبَعْض الأَرْض وَهُوَ الْمَدِينَة الَّتِي هِيَ مَحل المخاطبين وَهُوَ المُنَافِقُونَ فاحتيج لذكر فِي الأَرْض حَتَّى يكون فِيهِ التَّنْصِيص على النَّهْي عَن وُقُوع نوع من أَنْوَاع الْفساد فِي نوع من أَنْوَاع الأَرْض وَالْحَاصِل أَن الْحق فِي الْآيَتَيْنِ أَن ذكر الأَرْض لَهُ فَائِدَة أَي فَائِدَة فَأَما فِي الثَّانِيَة فَوَاضِح مِمَّا قَرَّرَهُ وَأما فِي الأولى فَهُوَ مَا تقرر أَنه لَو حذف ذَلِك أوهم أَن النَّهْي عَن الْفساد خَاص بمحلهم وَهُوَ أَرض الْمَدِينَة فَذكر ليُفِيد أَنه عَام فِي كل جُزْء من جزئيات الأَرْض لِأَن الأَرْض مُفْرد محلى بَال وَهُوَ للْعُمُوم عِنْد الْأُصُولِيِّينَ وَلِأَن جُمْهُور المعانيين أَن الأَصْل فِي أل الْجِنْس والاستغراق لَا الْعَهْد وَمَا نقل عَن الْمُحَقِّقين من أَن الأَصْل فِيهَا الْعَهْد فَفِيهِ نظر أَي نظر على أَنه يُؤَيّد مَا قيل المُرَاد بِالْأَرْضِ فِي الْآيَة الْمَدِينَة وَعَلِيهِ فَذكر الأَرْض لَهُ فَائِدَة ظَاهِرَة وَهِي التَّنْصِيص على مَا وَقع مِنْهُم الْإِفْسَاد فِيهِ بِالْفِعْلِ ليَكُون أدعى إِلَى امتثالهم لِأَن إِفْسَاد الْإِنْسَان فِي بَلَده وَمحل إِقَامَته أقبح مِنْهَا فِي غير ذَلِك وَالتَّقْدِير لَو فرض إفسادكم فَلَا تجعلوه فِي أَرْضكُم وَمحل إقامتكم كَمَا يُقَال لنَحْو قَاطع الطَّرِيق إِن كَانَ وَلَا بُد فَلَا تجْعَل على ذَلِك فِي بلدك وَمَعَ من يعرفك وَبِمَا قَرّرته ظَهرت نُكْتَة ذكر فِي الأَرْض سَوَاء كَانَت أل فِيهَا للْعُمُوم أَو للْعهد وَيُمكن اسْتِخْرَاج نُكْتَة أُخْرَى لَهُ وَهِي التَّذْكِير بالمبدأ والمعاد وَذَلِكَ أردع عَن الْفساد وَالتَّقْدِير لَا تفسدوا فِي عنصركم الْغَالِب عَلَيْكُم الَّذِي خلقْتُمْ مِنْهُ ومرجعكم إِلَيْهِ وَهُوَ الطين وَالْأَرْض أصلكم مِنْهَا خلقْتُمْ وإليها تعودُونَ فَكيف تفسدون فِيهَا وَكلما ذكر الْإِنْسَان بحقارة أَصله ومبدئه وبهلاكه واضمحلاله وَعوده إِلَى ذَلِك المبدأ ومصيره تُرَابا ثمَّ بَعثه وحسابه كَانَ ذَلِك أدعى لقبوله الموعظة وانفكاكه عَمَّا نهى عَنهُ وامتثاله لما أَمر بِهِ وَكَأن هَذَا وَالله أعلم هُوَ السِّرّ لقَوْله تَعَالَى {وَلَا تمش فِي الأَرْض مرحا إِنَّك لن تخرق الأَرْض} وَلَو سَأَلَ الْعِزّ عَن نُكْتَة هَذِه لَكَانَ أولى لِأَن حكمته فِي ذكر الأَرْض هُنَا أدق مِنْهَا فِي تِلْكَ بِكَثِير كَمَا لَا يخفى وَلَا يَصح أَن يُقَال احْتَرز بِهِ عَن الْمَشْي فِي الْهَوَاء أَو على المَاء لِأَن هَذَا خارق وَهُوَ لَا يحْتَرز عَنهُ وَكَأن مَا ذكرته أَيْضا هُوَ حِكْمَة تكريرها والعدول عَن الأَصْل لن تخرقها لَكِن لما كَانَت الْإِعَادَة بِالظَّاهِرِ تَقْتَضِي مزِيد التيقظ والتقريع أَو ثرت على الضَّمِير ونكتة أُخْرَى هِيَ الْإِشَارَة إِلَى عجزهم وَإِن آثَار فسادهم قَاصِرَة عَلَيْهِم لَا تتعداهم إِلَى الْمَلَائِكَة الَّذين يكون هلاكهم وعذابهم على أَيْديهم ونكتة أُخْرَى هِيَ غَايَة التقريع والتخويف وَلَهُم وَهِي أَن إفسادهم يُؤَدِّي إِلَى استئصالهم لِأَن الْفساد فِي الأَرْض يُؤَدِّي إِلَى خرابها واستئصال أَهلهَا فَكَأَنَّهُ قيل لَهُم لَا تَكُونُوا سَببا لهلاك أَنفسكُم بِوَاسِطَة وُقُوع الْفساد مِنْكُم وَمِمَّا يُوضح ذَلِك قَوْله تَعَالَى {ظهر الْفساد فِي الْبر وَالْبَحْر بِمَا كسبت أَيدي النَّاس} وَقد سُئِلَ مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ عَن قَوْله تَعَالَى {وَإِذا تولى سعى فِي الأَرْض ليفسد فِيهَا وَيهْلك الْحَرْث والنسل} قَالَ بلَى فِي الأَرْض فَيعْمل فِيهَا بالعدوان وَالظُّلم فَيحْبس الله بذلك الْقطر من السَّمَاء فَيهْلك بِحَبْس الْقطر الْحَرْث أَي الزَّرْع والنسل أَي سَائِر الْحَيَوَانَات ثمَّ قَرَأَ مُجَاهِد {ظهر الْفساد فِي الْبر وَالْبَحْر} الْآيَة وَتَخْصِيص الْعِزّ هَذِه الْآيَة بالسؤال مَعَ أَن لَهَا نَظَائِر كَثِيرَة فِي الْقُرْآن نَحْو {وَلَا تعثوا فِي الأَرْض مفسدين} {وَلَا تفسدوا فِي الأَرْض بعد إصلاحها} كَأَنَّهُ للاستغناء بهَا عَن نظائرها وَمَا ذكرته من

<<  <   >  >>