للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَقير فِي سَماع وبقربهم نسَاء أَنه رأى ذكره فرج امْرَأَة فبهت سَاعَة طَوِيلَة فَقَامَ الشَّيْخ وجاءه وَقَالَ لَهُ هَكَذَا تكون الْفُقَرَاء إِذا جلس عِنْدهم النِّسَاء فَتَابَ فَدَعَا لَهُ الشَّيْخ فَعَاد لحاله الأول قلت وَمثل هَذَا السماع لَا يُبَاح إِلَّا لمثل هَذَا الشَّيْخ وَأَتْبَاعه المحفوظين بِهِ مَعَ أَن السماع الْخَالِي عَن الْمُحرمَات الظَّاهِرَة فِيهِ اخْتِلَاف وتفصيل وَجَاء غلْمَان السُّلْطَان لأخذ خراج أَرض لبَعض الْفُقَرَاء فَخرج عَلَيْهِم مِنْهَا ثعابين فَهَرَبُوا وَلم يزَالُوا هاربين حَتَّى انقرض الشَّيْخ وَأَوْلَاده فعادوا للأخذ من أَوْلَاد الْأَوْلَاد فَخرجت إِلَيْهِم الثعابين وتبعتهم كَذَلِك وَأَنا مِمَّن رأى تِلْكَ الأَرْض حِين خرج مِنْهَا الثعابين وسرق لبَعض ذُرِّيَّة هَذَا الشَّيْخ بقرة فَلَمَّا أَرَادَ السراق حلبها الْتفت الثعابين بأرجلهم فَمَا خلصوا إِلَّا بالمبادرة بردهَا انْتهى كَلَام اليافعي قدس سره مُلَخصا وَلَقَد قَالَ الْأُسْتَاذ الْعَارِف أَبُو الْحسن الشاذلي رَحمَه الله فِي قوم يكذبُون بكرامات أَوْلِيَاء زمانهم فَقَط وَالله مَا هِيَ إِلَّا إسرائيلية صدقُوا مُوسَى وكذبوا مُحَمَّد - صلى الله عليه وسلم - لأَنهم أدركوا زَمَنه وَمِنْهَا أَي من جملَة الكرامات الخوارق الَّتِي وَقعت للأنبياء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام قبل النُّبُوَّة كإظلال الْغَمَام وشق الصَّدْر الواقعين لنبينا مُحَمَّد - صلى الله عليه وسلم - فَلَيْسَتْ معجزات لتقدمها على التحدي بل كرامات وَتسَمى إرهاصا أَي تأسيسا للنبوة ذكر ذَلِك جُمْهُور أَئِمَّة الْأُصُول وَغَيرهم وَمِنْهَا التحدي أَي طلب الْمُعَارضَة والمقابلة قَالَ الْجَوْهَرِي يُقَال تحديت فلَانا إِذا باريته فِي فعل ونازعته للغلبة وَفِي الأساس حدا يَحْدُو وَهُوَ حادي الْإِبِل واحتدى بهَا حدوا إِذا غنى وَمن الْمجَاز تحدى أقرانه إِذا باراهم ونازعهم للغلبة وَأَصله الحدو يتبارى فِيهِ الحاديان ويتعارضان فيتحدى كل وَاحِد صَاحبه أَي يطْلب حداه كَمَا يُقَال توفاه بِمَعْنى اسْتَوْفَاهُ وأصل ذَلِك أَنه كَانَ عِنْد الحدو يقوم حاد عَن يَمِين القطار وحاد عَن يسَاره يتحدى كل مِنْهُمَا صَاحبه بِمَعْنى يستحد بِهِ أَي يطْلب مِنْهُ حداه ثمَّ اتَّسع فِيهِ حَتَّى اسْتعْمل فِي كل مباراة وَمِنْهَا اخْتلفُوا فِي السحر هَل تنْقَلب بِهِ الْأَعْيَان والطبائع فَقَالَ قوم نعم كجعل الْإِنْسَان حمارا وَقَالَ قوم لَا فالساحر والصالح لَا يقلبان عينا مُطلقًا قَالُوا وَإِلَّا لاشتبهت المعجزة بالكرامة والكرامة بِالسحرِ وَيَردهُ مَا مر من امتياز المعجزة باقترانها بالتحدي وَأما زعمهم أَن أَكثر آيَاته - صلى الله عليه وسلم - وأعمها وأغلبها كَانَ بِلَا تحدي كنطق الْحَصَى والجذع ونبع المَاء وَلَعَلَّه لم يتحد بِغَيْر الْقُرْآن وَتمنى الْمَوْت وَأَن عدم تَسْمِيَة مَا عدا هَاتين آيَة وَلَا معْجزَة أقرب إِلَى الْكفْر مِنْهُ إِلَى الْبِدْعَة وَقد كَانَ - صلى الله عليه وسلم - يَقُول عِنْد بَعْضهَا أشهد أَنِّي رَسُول الله وَقد سمى الله معجزات الْأَنْبِيَاء آيَات وَلم يشرط تحديا انْتهى فَيرد بِأَن المُرَاد بقَوْلهمْ فِي المعجزة لَا بُد من اقترانه بالتحدي الاقتران بِالْقُوَّةِ أَو الْفِعْل وَلَا شكّ أَن كل مَا وَقع مِنْهُ - صلى الله عليه وسلم - بعد النُّبُوَّة مقرون بالتحدي لِأَن قَرَائِن أَقْوَاله وأحواله ناطقة بِدَعْوَاهُ النُّبُوَّة وتحديه للمخالفين وإظهاره مَا يقمعهم ويحديهم فَكَانَ كل مَا ظهر مِنْهُ - صلى الله عليه وسلم - يُسمى آيَات ومعجزات وَقَوله - صلى الله عليه وسلم - عِنْد ظُهُور بَعْضهَا أشهد أَنِّي رَسُول الله شَاهد صدق على مَا ذكرته فَتَأَمّله وَمِنْهَا التَّمْيِيز بَين الْكَرَامَة والمعجزة بِمَا مر أَن لفظ المعجزة خَاص بخوارق الْأَنْبِيَاء وَلَفظ الْكَرَامَة خَاص بخوارق الْأَوْلِيَاء وَإِنَّمَا هُوَ اصْطِلَاح الْخلف وَأما السّلف فَكَانُوا يسمون كلا من الْأَمريْنِ معْجزَة كَالْإِمَامِ أَحْمد وَغَيره ويخصون خوارق الْأَنْبِيَاء باسم الْآيَة والبرهان وَقد يسمون الْكَرَامَة آيَة لدلالتها على نبوة من اتبعهُ ذَلِك الْوَلِيّ كَمَا مر بَيَانه وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم (وَسُئِلَ) نفع الله بِهِ وبعلومه هَل أَصْحَاب الكرامات من الْأَوْلِيَاء أفضل مِمَّن لَا تظهر على يَده كَرَامَة ظَاهِرَة (فَأجَاب) بقوله لَيْسَ ذُو الكرامات أفضل من غَيرهم على الْإِطْلَاق بل قد تنبئ الْكَرَامَة عَن ضعف يَقِين أَو همة فتعجل لمن أُرِيد بِهِ عناية حَتَّى يَزُول عَنهُ كل من ذَيْنك أَو أَحدهمَا بل قد تقع الْكَرَامَة لمحب أَو زاهد وَلَا تقع لعارف مَعَ أَن الْمعرفَة أفضل من الْمحبَّة عِنْد الْأَكْثَرين وَأفضل من الزّهْد عِنْد الْكل لِأَن الزّهْد من أَوَائِل المقامات والمحبة أول الْأَحْوَال الناشئة عَن مُجَاوزَة المقامات وَيُؤَيّد ذَلِك قَول أبي يزِيد رَضِي الله عَنهُ الْعَارِف طيار والزاهد سيار وَقَالَ غَيره وأنى يلْحق السيار الطيار وَقَالَ ذُو النُّون الْمصْرِيّ الزهاد مُلُوك الْآخِرَة وهم فُقَرَاء العارفين فَعلم أَنه لَا دخل للكرامة فِي الْأَفْضَلِيَّة وَإِنَّمَا منشأ الْأَفْضَلِيَّة قُوَّة الْيَقِين وَكَمَال الْمعرفَة بِاللَّه تَعَالَى فَكل من كَانَ أقوى يَقِينا وأكمل معرفَة كَانَ أفضل وَلِهَذَا

<<  <   >  >>