للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الدُّنْيَا والأخلال بحقائق التَّقْوَى وَرُبمَا كَانَت محبَّة الدُّنْيَا عونا على اكتسابها لِأَن الِاشْتِغَال بهَا شاق على النُّفُوس فجبلت على محبَّة الجاه والرفعة حَتَّى إِذا استشعرت حُصُول ذَلِك بِحُصُول الْعلم أجابت إِلَى تحمل الكلف وسهر اللَّيْل وَالصَّبْر على الغربة والأسفار وفقد الملاذ والشهوات وعلوم هَؤُلَاءِ الْقَوْم يَعْنِي الصُّوفِيَّة لَا تحصل بمحبة الدُّنْيَا وَلَا تنكشف إِلَّا بمجانبة الْهوى وَلَا تدرس إِلَّا فِي مدرسة التَّقْوَى قَالَ الله تَعَالَى {وَاتَّقوا الله ويعلمكم الله} وَمِنْهَا أَن شرف الْعلم على قدر شرف انْتِفَاع صَاحبه ونفعه الْغَيْر بِهِ والعارفون هم الَّذين انتفعوا ونفعوا حَقًا وَيَكْفِي فِي انتفاعهم تَطْهِير قُلُوبهم مِمَّا سوى الله وامتلاؤها بمحبته ومعرفته وَمن نفعهم لِلْخلقِ أَن بركتهم تغيث الْعباد وَيدْفَع بهَا الْفساد وَإِلَّا لفسدت الأَرْض ويقام بهم الدّين ويرشد بهم المريدون إِلَى التَّطْهِير من كل خلق دنئ والترقي إِلَى التحلي بِكُل وصف على وَمن ثمَّ وَقع لعارف أَن تِلْمِيذه أَرَادَ الزِّنَا بِامْرَأَة فَلَمَّا هم سمع صَوت شَيْخه من بِلَاد بعيدَة يَقُول هَكَذَا تفعل يَا فلَان ففر هَارِبا وَوَقع لآخر من تِلْمِيذه فِي نَظِير ذَلِك أَنه مَا شعر إِذْ هم غلا وَالشَّيْخ قد لطمه لطمة أذهبت بَصَره فَخرج وَأمر من جَاءَ بِهِ إِلَى الشَّيْخ فَقَالَ أدع الله لي أَن يرد بَصرِي فَإِنِّي تائب إِلَى الله تَعَالَى فَقَالَ نعم وَلَكِن لَا تَمُوت إِلَّا أعمى فَدَعَا لَهُ فَرد عَلَيْهِ بَصَره ثمَّ عمى قبل مَوته بِثَلَاثَة أَيَّام وَكَذَلِكَ وَقع للشَّيْخ أبي الْغَيْث بن جميل اليمني رَحمَه الله أَنه كَانَ لَهُ تلميذ بالعجم هم بِالزِّنَا بِامْرَأَة فَضَربهُ الشَّيْخ بقبقابه مَعَ زجر وَغَضب بِحَضْرَة الْفُقَرَاء فَلم يدروا مَا الْخَبَر حَتَّى قدم الشَّيْخ العجمي بقبقاب الشَّيْخ بعد شهر تَائِبًا وَكَذَلِكَ للجيلاني أَنه رمى بفردتي قبقابه أثر وضوئِهِ مَعَ صرختين عظيمتين فَلم ترد الْفُقَرَاء مَا الْخَبَر حَتَّى قدمت قافلة بعد ثَلَاثَة وَعشْرين يَوْمًا فَأخْبرُوا أَن عربا نهبوا أَمْوَالهم واقتسموها وهم ينظرُونَ فنذروا للشَّيْخ بشئ أَن نَجوا مِنْهُم فَسَمِعُوا الصرحتين وجاءهم الْعَرَب بِأَمْوَالِهِمْ وأخبروهم أَن فردتى القبقاب جاءتا إِلَى كبيريهم فقتلتاهما فأخذوهما وهما مبلولتان وَقدمُوا بهما وَمِنْهَا مَا ورد فِي فضل أويس الْقَرنِي رَضِي الله عَنهُ ونفعنا بِهِ وَكَونه أفضل التَّابِعين فِي بعض رِوَايَات صَحِيح مُسلم مَعَ مَا فِي التَّابِعين من الْعلمَاء الْكِبَار الَّذين لَا يُحصونَ وَمِنْهَا أَن ابْن عبد السَّلَام صرح بتفضيل العارفين بِاللَّه تَعَالَى وَمن ثمَّ لما سمع إملاء القطب أبي الْحسن الشاذلي رَحمَه الله تَعَالَى على رِسَالَة الْقشيرِي صَار يَقُول اسمعوا إِلَى هَذَا الْكَلَام العجيب الْغَرِيب الْقَرِيب الْعَهْد بربه وَمِنْهَا قَول الْأُسْتَاذ أبي الْقَاسِم الْجُنَيْد نفع الله بِهِ لَو علمت تَحت أَدِيم السَّمَاء علما أشرف من علمنَا هَذَا لسعيت إِلَيْهِ وقصدته وَقَالَ الشهَاب السهروردي الْإِشَارَة فِي خبر فضل الْعَالم على العابد كفضلي على أدناكم إِلَى هَذَا الْعلم الَّذِي هُوَ الْعلم بِاللَّه وَقُوَّة الْيَقِين دون علم نَحْو البيع وَالطَّلَاق وَالْعتاق قَالَ وَقد يكون الْإِنْسَان عَالما بِاللَّه ذَا يَقِين وَلَيْسَ عِنْده علم من فروض الكفايات وَقد كَانَت الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم أعلم من عُلَمَاء التابعيين بحقائق الْيَقِين ودقائق الْمعرفَة مَعَ أَن فِي عُلَمَاء التَّابِعين من هُوَ أقوم بِعلم الْفِقْه من بعض الصَّحَابَة قَالَ وَالْعُلَمَاء الزاهدون بعد الْأَخْذ مِمَّا لَا بُد مِنْهُ أَقبلُوا على الله وانقطعوا إِلَيْهِ وخلصت أَرْوَاحهم إِلَى مقَام الْقرب فأفاضت على قُلُوبهم أنوارا الهيات تهيأت بهَا لإدراك الْعُلُوم الربانية والمعارف الإلهية وَالله أعلم (وَسُئِلَ) نفع الله بِهِ عَن حَقِيقَة الْفرق بَين الشَّرِيعَة والحقيقة (فَأجَاب) بقوله فرق بَينهمَا بفروق مِنْهَا أَن الْحَقِيقَة هِيَ مُشَاهدَة أسرار الربوبية وَلها طَريقَة هِيَ عزائم الشَّرِيعَة وَنِهَايَة الشَّيْء غير مُخَالفَة لَهُ على مَا يَأْتِي فالشريعة هِيَ الأَصْل وَمن ثمَّ شبهت بالبحر والمعدن وَاللَّبن والشجرة والحقيقة هِيَ الْفَرْع الْمُسْتَخْرج من الشَّرِيعَة وَمن ثمَّ شبهت بالدر والتبر والزبد وَالثَّمَرَة وَمعنى سلب الْمُخَالفَة لَهما الْمَذْكُور أَنه لَيْسَ بَينهمَا اخْتِلَاف فِي مجاري أَحْكَام الْعُبُودِيَّة وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي مُشَاهدَة أسرار الربوبية وَلَا شكّ أَن أهلهما متفاوتون فِي الاعتناء والاهتمام بِعلم صِفَات الْقلب وَالْأَخْذ بعزائم الْأَحْكَام وَلَيْسَ ذَلِك اخْتِلَافا بَينهمَا وَبَين ذَلِك اليافعي رَحمَه الله تَعَالَى بِأَن الشَّرِيعَة علم وَعمل وَالْعلم ظَاهر وباطن وَالظَّاهِر شَرْعِي وَغَيره والشرعي فرض ومندوب وَالْفَرْض عين وكفاية وَالْعين علم صِفَات الْقلب وَعلم أصل وَعلم فرع وَالْعَمَل عزائم وَرخّص والحقيقة مُشْتَمِلَة أَيْضا على قسمَيْنِ علم وَعمل وَالْعلم وهبي وكسبي فالوهبي علم المكاشفة والكسبي فرض عين وَفرض كِفَايَة وَفرض الْعين علم قلب وَعلم أصل وَعلم فرع فالكسبي الَّذِي هُوَ أحد علم نَوْعي قسمي

<<  <   >  >>