الشَّهَادَة عَلَيْهَا بالْكفْر، فَكيف بحكاية الْإِجْمَاع على ذَلِك، وَمَسْأَلَة التَّكْفِير بالحلول شهيرة، وَلَو قَالَ مُبْتَدع: إِن الله غير عَالم أَو غير قَادر كفر إِجْمَاعًا مَعَ أَنه يَنْفِي صِحَة الْعلم وَالْقُدْرَة وَغَيرهَا من الصِّفَات، وَيلْزمهُ قطعا أَن يكون الْبَارِي غير عَالم، وَلَا قَادر، مَعَ شهرة الْخلاف فِي تكفيره وَأَنه غير كَافِر، وَقد جمع الْخَوَارِج من الْأَقْوَال الْفَاسِدَة والآراء الْبَاطِلَة مَا لم يحفظ لغَيرهم. وَقَالَ سُحنون: إِنَّه يخَاف على من كفرَّهم بمقالتهم أَن يسْلك مسلكهم فِي التَّكْفِير بِالذنُوبِ أَو كلَاما هَذَا مَعْنَاهُ، فقد حصل من حِكَايَة هَذَا السُّؤَال أَنهم لَيْسُوا بكفار مَعَ حِكَايَة الْخلاف فيهم، وَأَنه جَازَ على الْخلاف فِي لَازم القَوْل هَل هُوَ كالقول أم لَا؟ وَمذهب ابْن رشد وَغَيره أَنه لَيْسَ كالقول وَأَنه لَا يلْزم من الْإِجْمَاع على قَضِيَّة الْإِجْمَاع على لازمها، وَلَا من الْإِجْمَاع على بطلَان لَازم قَضِيَّة الْإِجْمَاع على بطلَان ملزومها. إِذا تقرر هَذَا فَقَائِل هَذِه الْمقَالة الَّتِي هِيَ القَوْل بالجهة فَوق إِن كَانَ يعْتَقد الْحُلُول والاستقرار والظرفية أَو التحيز فَهُوَ كَافِر، يُسلك بِهِ مَسْلَك الْمُرْتَدين إِن كَانَ مظْهرا لذَلِك، وإنْ كَانَ اعْتِقَاده مثل أهل الْمَذْهَب الثَّانِي فقد تقرر الْخلاف فِيهِ، فعلى القَوْل بالتكفير يرجع لما قبله وعَلى الصَّحِيح ينظر فِيهِ، فَإِن دَعَا النَّاس إِلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ وأشاعه وأظهره فيصنع بِهِ مَا قَالَ مَالك رَضِي الله عَنهُ فِيمَن يَدْعُو إِلَى بدعته وَنَصّ على ذَلِك فِي آخر الْجِهَاد من الْمُدَوَّنَة وتأليف ابْن يُونُس، وإنْ لم يَدْعُ إِلَى ذَلِك وَكَانَ يظهره فعلى من ولَاّه الله أَمر الْمُسلمين رَدْعَه وزَجْره عَن هَذَا الإعتقاد وَالتَّشْدِيد عَلَيْهِ حَتَّى ينْصَرف عَن هَذِه الْبِدْعَة، فإنّ فَتْحَ مِثْلِ هَذَا الْبَاب للعوام وساوك طَرِيق التَّأْوِيل فِيهِ إِفْسَاد لاعتقادهم، وإلقاء تشكيكات عَظِيمَة فِي دينهم وتهييج لفتنتهم، وَأرى هَذَا مثل الرجل الَّذِي سَأَلَ مَالِكًا عَن معنى قَوْله عز وَجل: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: ٥] فَقَالَ مَالك: الاسْتوَاء مَعْلُوم أَو مَعْقُول والكيف مَجْهُول وَالْإِيمَان بِهِ وَاجِب وَالسُّؤَال عَن هَذَا بِدعَة وأراك رجل سوء أَخْرجُوهُ عني، وَزَاد بَعضهم فِي الْحِكَايَة: فَأَدْبَرَ الرجل وَهُوَ يَقُول: يَا أَبَا عبد الله لقد سألتُ عَنْهَا أهل الْعرَاق وَأهل الشَّام فَمَا وقف أحد فِيهَا توقيفك، وَأَنت ترى مَالِكًا كَيفَ أدب هَذَا الرجل وزجره الزّجر التَّام وَهُوَ لم يصدر مِنْهُ إِلَّا السُّؤَال عَن بعض الْمُتَشَابه فَمَا ظَنك بِمن صرح بِمَا صرح بِهِ. وَقَضِيَّة عمر رَضِي الله عَنهُ مَعَ ضُبيع وضربه إِيَّاه المرّة بعد المرّة لسؤاله عَن المتشابهه مَشْهُورَة حَتَّى قَالَ لَهُ: إِن كنت تُرِيدُ قَتْلِي فاقتلني وَإِلَّا فقد أخذت أربي. وَاخْتلف فِي تَأْوِيل قَول مَالك الْمَذْكُور فَصَرفهُ ابْن عبد البرّ إِلَى مذْهبه، وَظَاهر حِكَايَة غَيره أَنه وقف عَن الْكَلَام فِيهَا كمذهب الواقفية، وَمِنْهُم من نحابه مَذْهَب الْمُتَكَلِّمين، وَأَشَارَ ابْن التلمساني فِي شرح المعالم فَقَالَ: يَعْنِي أَن محامل الاسْتوَاء فِي اللُّغَة مَعْلُومَة بعد الْقطع بِأَن الِاسْتِقْرَار غير مُرَاد، بل المُرَاد بِهِ الْقَهْر والاستيلاء أَو الْقَصْد إِلَى التناهي فِي صِفَات الْكَمَال، وَقَوله والكيف مَجْهُول: يَعْنِي أَن تعْيين محمل من المحامل اللائقة مَجْهُول لنا، وَقَوله وَالْإِيمَان بِهِ وَاجِب: أَي التَّصْدِيق بِأَن لَهُ محملًا يصحّ وَاجِب، وَقَوله وَالسُّؤَال عَنهُ بِدعَة أَي تَعْيِينه بالطرق الظنية فَإِنَّهُ تصرف فِي أَسمَاء الله تَعَالَى وَصِفَاته بزعم الظنون وَمَا لم يعْهَد زمن الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم فَهُوَ بِدعَة انْتهى، وَهُوَ يُشِير إِلَى مَا قدمْنَاهُ من الْخلاف فِيمَا ورد من مثل هَذِه الظَّوَاهِر هَل يتَكَلَّم فِيهَا أم لَا؟ وَاخْتلف تَأْوِيل حَدِيث السَّوْدَاء الْمَذْكُور فِي السُّؤَال، فَقَالَ الْمَازرِيّ: أَرَادَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يطْلب دَلِيلا على أَنَّهَا مُوَحِّدة فخاطبها بِمَا يفهم من قَصدهَا لِأَن عَلامَة الْمُوَحِّدين التَّوَجُّه إِلَى السَّمَاء عِنْد الدُّعَاء وَطلب الْحَوَائِج، فَإِن من كَانَ يعبد الْأَصْنَام يطْلب حَوَائِجه مِنْهَا وَمن يعبد النَّار يطْلب حَوَائِجه مِنْهَا أيضهاً، فَأَرَادَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْكَشْف عَن معتقدها أَهِي مُؤمنَة أم لَا؟ فَأَشَارَتْ إِلَى الْجِهَة الَّتِي يقصدها الموحدون وَقيل وَقع السُّؤَال لَهَا بأين لأجل أَنه أَرَادَ السُّؤَال عَمَّا تعتقده من جلالة الْبَارِي وعظمته جلّ وَعلا، فَأَشَارَتْ إِلَى السَّمَاء إِخْبَارًا عَن جلالته سُبْحَانَهُ فِي نَفسهَا لِأَنَّهَا قبْلَة الداعين كَمَا أَن الْكَعْبَة قبْلَة الْمُصَلِّين، وَكَذَلِكَ اخْتلف فِي تَأْوِيل مَا ذكره ابْن أبي زيد فِي رسَالَته وَقد مر آنِفا على أَنه ذكره فِي الْمُخْتَصر على وَجه لَا يشكل، وَالله أعلم. ٦٧ وَسُئِلَ رَضِي الله عَنهُ: هَل الأولى للذاكر استحضار مَعَاني ذكره التفصيلية، كَأَن يستحضر النقائص الَّتِي تنزَّه الله تَعَالَى عَنْهَا، ثمَّ فِي كل مرّة من مَرَّات التَّسْبِيح يستحضر وَاحِدًا من تِلْكَ الْأُمُور، وَكَأن يستحضر الكمالات الَّتِي يُحمد عَلَيْهَا، ثمَّ يَجْعَل بإزائه كل مرّة شُهُود وَاحِد من تِلْكَ الكمالات وَهَكَذَا أَو الإجمالية؟ فَأجَاب بقوله: الأولى مُرَاعَاة الْإِجْمَال لِأَنَّهُ أتمَّ وأكْملَ، لِأَن من يُرَاعِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute