للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فِي كل تَسْبِيحَة مثلا تنزه الله تَعَالَى عَن جَمِيع النقائص، أتمَّ وأكّمْل، مِمَّن يُراعى شَيْئا مَخْصُوصًا بِكُل مرّة، وَأَيْضًا فَتلك النقائص أحْقرَ من أَن تستحضر تفاصيلها مَعَ الرب فِي الْقلب، وَإِنَّمَا تستحضر على وَجْه كلي لضَرُورَة التَّسْبِيح عَنْهَا، وَقد لَا يحْتَاج لاستحضارها لاستغراق الْقلب فِي عَظمَة الرب وتعاليه وجلاله، فَلَا يُلْتفت إِلَى تِلْكَ النقائص الْبَتَّةَ، وَانْظُر إِلَى السنةِ لِما فعلتْ فِي قَوْله (سُبْحَانَ الله عَدَد خَلْقِه، وَرِضاء نَفْسِه، وزِنَةَ عَرْشِه، ومِداد كَلِماتِه) ، كَيفَ نصتْ على المطالب الْأَرْبَعَة الإجمالية وَهِي كَثْرَة أَفْرَاده، إذْ عدد الْخلق فِيمَا كَانَ وَمَا يكون لَا يتناهى كبر مِقْدَاره، إذْ الْعَرْش أكبر الْمَخْلُوقَات، وَإِذا أَخذ بِمَا فِيهِ من الْمَخْلُوقَات الَّتِي كَانَت وستكون لَا يتناهى نَوعه، حَتَّى رِضَاء الله تَعَالَى ودوامه بِلَا نفاد، لِأَن كَلِمَات الله تَعَالَى أَي أقضيته لَا نفاد لَهَا، وأعرْضَتْ عَن النقائص الَّتِي يسبح عَنْهَا استحقاراً لَهَا عَن أَن تمرّ بِحَضْرَة الْجلَال أَو بِحَضْرَة شُهُود الْكَمَال، وَأكْثر تسبيحات الْقُرْآن مُطلقَة عَن مُلَاحظَة المسُبَّح عَنهُ فَيَنْبَغِي لنا أَن نتأسى بهَا. ٦٨ وَسُئِلَ نفع الله بِهِ: هَل لمقلد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ مثلا أَن يُقَلّد غَيره بعد الْعَمَل وَقَبله، مَعَ تتبع الرُّخص أَولا، وَقد صرّح الْآمِدِيّ وَابْن الْحَاجِب بامتناعه بعد الْعَمَل اتِّفَاقًا؟ فَأجَاب بقوله: لمقلد غير إِمَامه أَحْوَال ذكرهَا السُّبْكِيّ أخذا من كَلَامهم. أَحدهَا: أَن يعْتَقد رُجْحَان مَذْهَب الْغَيْر فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَة فَيجوز اتبَاعا للراجح فِي ظَنّه. الثَّانِيَة: أَن يعْتَقد رُجْحَان مَذْهَب إِمَامه، أَو لَا يعْتَقد رُجْحَان وَاحِد مِنْهُمَا، فَيجوز أَيْضا سواءٌ قصد الِاحْتِيَاط لدينِهِ مثلا، كالحيلة إِذا قصد بهَا التلخص من الرِّبَا كَبيع الْجمع بِالدَّرَاهِمِ، وَشِرَاء الْخَبيث بهَا، وَلَا كَرَاهَة حينئذٍ بِخِلَاف الْحِيلَة على غير هَذَا الْوَجْه فَإِنَّهَا مَكْرُوهَة. الثَّالِثَة: أَن يقْصد بتقليده الرُّخْصَة فِيمَا دَعَتْ حَاجته إِلَيْهِ، فَيجوز أَيْضا إِلَّا أَن يكون يعْتَقد رُجْحَان مَذْهَب إِمَامه وَأَنه يجب تَقْلِيد الأعلم. الرَّابِعَة: أَن يقْصد مُجَرّد الترَّخُصِ من غير أَن يغْلِب على ظَنّه رجحانه فَيمْتَنع كَمَا قَالَه السُّبْكِيّ. قَالَ: لِأَنَّهُ حينئذٍ مُتبَّع لهواه لَا للدّين. الْخَامِسَة: أَن يكثر فِيهِ ذَلِك بِحَيْثُ يصير مُتتبعاً للرخص بِأَن يَأْخُذ من كل مَذْهَب بالأسهل. مِنْهُ، فَيمْتَنع أَيْضا لِأَنَّهُ يشْعر بانحلال ربقة التَّكْلِيف. السَّادِسَة: أَن يجْتَمع من ذَلِك حَقِيقَة مُرَكبة ممتنعة بِالْإِجْمَاع، فَيمْتَنع، كَأَن يُقَلّد شافعيٌ مَالِكًا فِي طَهَارَة الْكَلْب، وَيمْسَح بعض رَأسه، لِأَن صلَاته حينئذٍ لَا يَقُول بهَا مَالك لعدم مسح كلّ الرَّأْس، وَلَا الشَّافِعِي لنجاسة الْكَلْب، وَزَعْمُ الْكَمَال ابْن الْهمام جَوَاز نَحْو ذَلِك ضعيفٌ وإنْ برهن عَلَيْهِ. السَّابِعَة: أَن يعْمل بتقليده الأول ويستمرّ على آثاره ثمَّ يُرِيد أَن يُقَلّد غير إِمَامه مَعَ بَقَاء تِلْكَ الْآثَار كحنفي أَخذ بشفعة الْجوَار عملا بمذهبه، ثمَّ تسْتَحقّ عَلَيْهِ، فيريد الْعَمَل بِمذهب الشافعيُّ فَلَا يجوز لتحَقّق خطئه إِمَّا فِي الأول أَو الثَّانِي مَعَ أَنه شخص وَاحِد مُكَلّف. وَمَا ذُكر عَن الْآمِدِيّ وَابْن الْحَاجِب نَظَر فِيهِ السُّبْكِيّ فَقَالَ: فِي دَعْوَى الِاتِّفَاق نظر، وَفِي كَلَام غَيرهمَا مَا يشْعر بِإِثْبَات خلاف بعد الْعَمَل أَيْضا، وَكَيف يمْتَنع إِذا اعْتقد صِحَّته، وَلَكِن وَجْه مَا قَالَاه، أَنه بالتزامه مَذْهَب إِمَامه كَاف بِهِ مَا لم يظْهر لَهُ غَيره، والعامي لَا يظْهر لَهُ شَيْء، هَذَا وَجه مَا قَالَاه وَلَا بَأْس بِهِ، وَلَكِنِّي أرى تَنْزِيله على صُورَة الْحَنَفِيّ الْمَذْكُورَة، وَهِي وَإِن كَانَت غير منقولة، فالمنقول وتحقيقه قد يشْهد لَهَا، وَمِمَّا يتَبَيَّن ذَلِك أنَّ التَّقْلِيد بعد الْعَمَل إنْ كَانَ مِنْ وجوبٍ لإباحة لِتُتْرك، كحنفي قَلَّد فِي سنية الْوتر، أَو مِنْ حَظْرٍ لإباحة لِتُفعل كشافعي يُقَلّد فِي نِكَاح بِلَا ولي فالمتقدم مِنْهُ فِي الْوتر هُوَ الْفِعْل، وَفِي النِّكَاح هُوَ التّرْك، وَكِلَاهُمَا لَا يُنَافِي الْإِبَاحَة، واعتقاد الْوُجُوب أَو التَّحْرِيم خَارج عَن الْعَمَل وحاصلٌ قَبْله، فَلَا معنى لِلْقَوْلِ بِأَن الْعَمَل فيهمَا مَانع من التَّقْلِيد وَإِن كَانَ بِالْعَكْسِ، بِأَن كَانَ يعْتَقد الْإِبَاحَة فقلد فِي الْوُجُوب، أَو التَّحْرِيم، فَالْقَوْل بِالْمَنْعِ أبعد وَلَيْسَ فِي الْمعَانِي وَلَا هَذِه الْأَقْسَام، نَعَمْ الْمُفْتى على مَذْهَب، إِذا أفتى بِحكم، لَيْسَ لَهُ أَن يُقَلِّد غَيره، ويفتي بِخِلَافِهِ لِأَنَّهُ مَحْض تشبه إِلَّا إِن قصد مصلحَة دينية دَعَتْهُ إِلَى ذَلِك، كَمَا رُوِيَ عَن ابْن الْقَاسِم أَنه أفتى وَلَده فِي نذر اللَّجاج بِمذهب اللَّيْث، وَهُوَ أَن يتَخَلَّص عَنهُ بكفارة يَمِين، وَقَالَ لَهُ: إِن عدت لم أفتك إِلَّا بقول مَالك أَنه يتَعَيَّن مَا الْتَزمهُ، وَالله أعلم. ٦٩ وَسُئِلَ نفع الله بِهِ بِمَا لَفظه: لِابْنِ تَيْمِية اعْتِرَاض على متأخري الصُّوفِيَّة، وَله خوارق فِي الْفِقْه وَالْأُصُول فَمَا مُحَصل ذَلِك؟ فَأجَاب بقوله: ابْن تَيْمِية عبد خذله الله وأضلَّه وأعماه وأصمه وأذلَّه، وَبِذَلِك صرح الْأَئِمَّة الَّذين بينوا فَسَاد أَحْوَاله وَكذب أَقْوَاله، وَمن

<<  <   >  >>