أَرَادَ ذَلِك فَعَلَيهِ بمطالعة كَلَام الإِمَام الْمُجْتَهد الْمُتَّفق على إِمَامَته وجلالته وبلوغه مرتبَة الِاجْتِهَاد أبي الْحسن السُّبْكِيّ وَولده التَّاج وَالشَّيْخ الإِمَام الْعِزّ بن جمَاعَة وَأهل عصرهم، وَغَيرهم من الشَّافِعِيَّة والمالكية وَالْحَنَفِيَّة، وَلم يقصر اعتراضه على متأخري الصُّوفِيَّة بل اعْترض على مثل عمر بن الْخطاب وَعلي بن أبي طَالب رَضِي الله عَنْهُمَا كَمَا يَأْتِي. وَالْحَاصِل أنْ لَا يُقَام لكَلَامه وزن بل يَرْمِي فِي كلّ وَعْر وحَزَن، ويعتقد فِيهِ أَنه مُبْتَدع ضالّ ومُضِّلّ جَاهِل غال عَامله الله بعدله، وأجازنا من مثل طَرِيقَته وعقيدته وَفعله آمين. وَحَاصِل مَا أُشير إِلَيْهِ فِي السُّؤَال أَنه قَالَ فِي بعض كَلَامه: إِن فِي كتب الصُّوفِيَّة مَا هُوَ مَبْنِيّ على أصُول الفلاسفة الْمُخَالفين لدين الْمُسلمين فيتلقى ذَلِك بِالْقبُولِ مَنْ يطالع فِيهَا من غير أنْ يعرف حَقِيقَتهَا، كدعوى أحدهم أَنه مُطلَّع على اللَّوْح الْمَحْفُوظ، فَإِنَّهُ عِنْد الفلاسفة كَابْن سينا وَأَتْبَاعه النَّفس الفلكية، وَيَزْعُم أَن نفوس الْبشر تتصل بِالنَّفسِ الفلكية، أَو بِالْعقلِ الفعَّال يقظة أَو مناماً، وهم يدّعون أَن مَا يحصل من المكاشفة يقظة أَو مناماً هُوَ بِسَبَب اتصالها بِالنَّفسِ الفلكية عِنْدهم، وَهِي سَبَب حُدُوث الْحَوَادِث فِي الْعَالم فَإِذا اتَّصَلت بهَا نفس الْبشر استنقش فِيهَا مَا كَانَ فِي النَّفس الفلكية، وَهَذِه الْأُمُور لم يذكرهَا قدماء الفلاسفة وَإِنَّمَا ذكرهَا ابْن سينا، وَمن يتلَقَّى عَنهُ، وَيُوجد من ذَلِك فِي بعض كَلَام أبي حَامِد، وَكَلَام ابْن عَرَبِيّ، وَابْن سبعين وأمثال هَؤُلَاءِ تكلمُوا فِي التصوف، والحقيقة على قَاعِدَة الفلاسفة لَا على أصُول الْمُسلمين، وَلَقَد خَرجُوا بذلك إِلَى الْإِلْحَاد كإلحاد الشِّيعَة، والإسماعيلية، والقرامطة، والباطنية، بِخِلَاف عُبَّاد أهل السّنة والْحَدِيث ومتصوفتهم، كالفُضَيلْ وَسَائِر رجال الرسَالَة، وَهَؤُلَاء أعظم النَّاس إنكاراً لطرق مَنْ هم خيرٌ من الفلاسفة كالمعتزلة والكرامية فَكيف بالفلاسفة، وَأهل التصوف ثَلَاثَة أَصْنَاف: قوم على مَذْهَب أهل الحَدِيث وَالسّنة كهؤلاء الْمَذْكُورين، وَقوم على طَريقَة بعض أهل الْكَلَام من الكرامية وَغَيرهم، وَقوم خَرجُوا إِلَى طَرِيق الفلسفة مثل مَسْلك من سَلَك رسائل إخْوَان الصَّفَا، وَقطعَة تُوجد فِي كَلَام أبي حَيَّان التوحيدي، وَأما ابْن عَرَبِيّ وَابْن سبعين وَنَحْوهمَا فَجَاءُوا بِقطع فلسفية غيروا عبارتها وأخرجوها فِي قالب التصوف، وَابْن سينا تكلم فِي آخر الإرشادات على مقَام العارفين بِحَسب مَا يَلِيق بِحَالهِ، وَكَذَا مُعظم من لم يعرف الْحَقَائِق الإيمانية. وَالْغَزالِيّ ذكر شَيْئا من ذَلِك فِي بعض كتبه لَا سِيمَا فِي الْكتاب المضْنُون بِهِ على غير أَهله، ومشكاة الْأَنْوَار وَنَحْو ذَلِك، حَتَّى ادّعى صَاحبه أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ فَقَالَ: شَيخنَا دخل فِي نظر الفلاسفة، وَأَرَادَ أَن يخرج مِنْهُم فَمَا قدر، لَكِن أَبُو حَامِد يكفِّر الفلاسفة فِي غير مَوضِع وبَيَّن فَسَاد طريقتهم، وَأَنَّهَا لَا تحصِّل الْمَقْصُود واشتغل فِي آخر عمره بالبخاري وَمَات على ذَلِك، وَقيل إِنَّه رَجَعَ عَن تِلْكَ الْكتب، وَمِنْهُم مَنْ يَقُول إِنَّهَا مكذوبة عَلَيْهِ، وَكثر كَلَام النَّاس فِيهَا لأَجلهَا كالمازري والطرطوشي وَابْن الْجَوْزِيّ وَابْن عقيل وَغَيرهم انْتهى حَاصِل كَلَام ابْن تَيْمِية. وَهُوَ يُنَاسب مَا كَانَ عَلَيْهِ من سوء الإعتقاد حَتَّى فِي أكَابِر الصَّحَابَة ومنْ بعدهمْ إِلَى أهل عصره وَرُبمَا أَدَّاهُ اعْتِقَاده ذَلِك إِلَى تَبْديع كثير مِنْهُم. وَمن جملَة مَنْ تتبَّعه الْوَلِيّ القطب الْعَارِف أَبُو الْحسن الشاذلي نفعنا الله بِعُلُومِهِ ومعارفه فِي حزبه الْكَبِير وحزب الْبَحْر وَقطعَة من كَلَامه، كَمَا تتبَّع ابنَ عَرَبِيّ وابنَ الفارض وابنَ سبعين، وتتبع أَيْضا الحلَاّج الْحُسَيْن بن مَنْصُور، وَلَا زَالَ يتتبع الأكابر حَتَّى تمالأ عَلَيْهِ أهل عصره ففسقوه، وبدّعوة بل كَفَّره كثير مِنْهُم، وَقد كتب إِلَيْهِ بعض أجلاء أهل عصره علما وَمَعْرِفَة سنة خمس وَسَبْعمائة مِنْ فلَان إِلَى الشَّيْخ الْكَبِير الْعَالم إِمَام أهل عصره بِزَعْمِهِ، أما بعد فَإنَّا أَحْبَبْنَاك فِي الله زَمَانا، وأعرضنا عَمَّا يُقَال فِيك إِعْرَاض الفَضْل إحساناً، إِلَى أَن ظهر لنا خلاف مُوجبَات الْمحبَّة بِحكم مَا يَقْتَضِيهِ الْعقل والحس، وَهل يَشُكُّ فِي اللَّيْل عَاقل إِذا غربت الشَّمْس، وَأَنَّك أظهرتَ أَنَّك قَائِم بِالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر، وَالله أعلم بقصدك ونيتك، ولكنَّ الْإِخْلَاص مَعَ الْعَمَل ينْتج ظُهُور الْقبُول، وَمَا رَأينَا آل أَمرك إِلَّا إِلَى هتك الأستار والأعراض، بِاتِّبَاع من لَا يوثق بقوله مِنْ أهل الْأَهْوَاء والأغراض، فَهُوَ سَائِر زُمانِه يَسُبُّ الْأَوْصَاف والذوات، وَلم يقنع بِسَبِّ الْأَحْيَاء، حَتَّى حكم بتكفير الْأَمْوَات وَلم يكْفِه التَّعَرُّض على من تَأَخّر من صالحي السّلف، حَتَّى تعدى إِلَى الصَّدْر الأول، وَمن لَهُ أَعلَى الْمَرَاتِب فِي الْفضل فيا وَيْحَ مَنْ هَؤُلَاءِ خُصماؤه يَوْم الْقِيَامَة، وهيهات أنْ لَا يَنَالهُ غضب، وأنيَّ لَهُ بالسلامة، وكنتُ مِمَّن سَمعه وَهُوَ على مِنْبَر جَامع الْجَبَل بالصالحية وَقد ذكر عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: إِن عمر لَهُ غلطات وبَليَّات وأيَّ بليات.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute