بها، وإنما حصل بينه وبين من خالفه من مجتهدي عصره نزاع في مسألة اجتهادية مال كل إلى قول فيها من المبادرة إلى قتلة عثمان والتوقف، وجرى بينهم ما جرى به القلم. فكل منهم معتقد أنه على الحق، وأنه مجاهد على دين الله، وأنه لو قصر فيما هو فيه فقد خان الله ليقضي الله أمرا كان مفعولا، فمنهم من اتضح له الحق بعد ذلك أنه في جانب علي كالزبير وطائفة كثيرة يوم قتل عمار بن ياسر، ومنهم من بقي على ما هو عليه حتى لقي الله. ولقد عاتب بعضهم الصديقة الكبرى بنت الصديق الأكبر أم المؤمنين المبرأة بنص التنزيل عائشة -رضي الله عنها وعن أبيها رغم أنف شانئيه وشانئيها- على قيامها في ذلك الأمر فقالت: ما أود أني تركت ذلك القيام ويكون لي به من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمسة أولاد ذكور.
وذلك في آخر عمرها، فدل على أنها لم يترجح لها خلاف ذلك، لكن أجمع الخلف من التابعين وجمهور السلف على أن عليا رضي الله عنه كان مجتهدا مصيبا فله أجران، لحديث ابن عباس مرفوعا:«ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار» رواه البخاري، ومخاليفه يومئذ كانوا مجتهدين مخطئين فلهم أجر واحد، وكلا وعد الله الحسنى. وجمهور المخالفين له منهم من هو مشهود له بالجنة، وهم من كان من أهل بيعة الرضوان المحكوم لهم بالرضا الذي لا يتبدل من رب العالمين ومن رسوله بتحريمهم على النار، ومنهم من هو من أهل بدر الذين غفر الله ما تقدم من ذنبهم وما تأخر بشهادة الصادق المصدوق، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
[الفصل الثاني في الحث على محبة أهل بيته - صلى الله عليه وسلم - والتنبيه على جلالة قدرهم وعلو مجدهم]
اعلم أن الناس ما بين مفرط في ذلك ومفرط، وكلا قصد طرفي الأمور