وما ذلك - أيها الصائمون - إلا أن الناس يكرهون جافي الطبع، ولا يجتمعون حولَ مَنْ يأخذه الغضبُ لأدنى هفوة، إلا أن يساقوا إليه سوقًا.
والرئيس بحق هو مَنْ يملك القلوب قبل أن يبسط سلطانه على الرقاب.
ولقد امتن ربنا -جل وعلا- على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بأن جبله على هذه السيرة الحميدة، وأنْ جَنَّبه الغلظةَ والفظاظة، فقال - عز وجل -: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}(آل عمران: من الآية ١٥٩) .
ولقد كانت سيرةُ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حافلةً بهذا الخلق الكريم؛ فلقد كان يلاقي الإساءة بالإحسان، ويدفع بالحسنة السيئة، ويقابل الغِلظَ بالرفق؛ فهذه السيرةُ ترشدُ رئيسَ القومِ، والداعيةَ، والعالمَ، والمعلمَ أن يوسِّع صدرَه لمن يناقشه أو يجادله ولو صاغ أقواله في غلظة وجفاء؛ فسيرته - عليه الصلاة والسلام - هي التي علَّمت معاوية رضي الله عنه أن يقول:(والله لا أحْمِلُ سيفي على مَنْ لا سيفَ له؛ فإن لم يكن لأحدكم سوى كلمةٍ يقولها ليستشفيَ بها فإني أجعل لها ذلك دبر أذني، وتحت قدمي) .