للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

السواحل (١). ومنه أن أمير الأندلس عبد الرحمن بن الحكم (ت ٢٣٨ هـ) ضاق ذرعًا بيحيى بن يحيى الليثي (ت ٢٣٤ هـ) والفقهاء الضالعين معه في كل ما يشير به ولا يخالفون عن أمره، فكان الأمير عبد الرحمن يكره تألبهم ويقلق منهم ويسميهم سلسلة السوء، فلما ولَّى يخامر بن عثمان القضاء حفظه منهم وسماهم له هذا الاسم، فتجنبهم يخامر وأخذ حذره منهم، فلما عزله عبد الرحمن لاحقًا قال يخامر لرسول الأمير على رؤوس الناس: قل للأمير-أصلحه الله-إذ وليتني أمرتني أن أتحفظ من السلسلة السوء، واليوم تعزلني ببغيها علي! فلما بلغ الرسول قوله إلى الأمير قال: قبحه الله، ذكر أسرارنا على رؤوس الناس (٢).

وعلى أية حال فإن السلطان يظل بحاجة إلى الفقهاء ولا يمكنه الاستغناء عنهم في جهاز دولته، وهو مع ذلك يحاول وضعهم تحت سلطته وضبط نفوذهم بحيث يكون امتدادًا لنفوذه.

ولا بد من التنبه في هذا السياق إلى أمر بالغ الأهمية وله أثره الكبير عند محاولة تفسير مثل هذه العلاقة التاريخية، وهو أن التفسيرات التاريخية المعاصرة تكثر فيها بل تغلب عليها التحليلات المادية التي تقصي الغيب والإيمان عن التأثير في حركة التاريخ كما في كتابات الكثير من المثقفين العرب، ولا ريب أن استبعاد البعد الإيماني سيجعل هذه التحليلات بادية الضعف في أمة


(١) انظر: الطبقات، ابن سعد (٧/ ١٩٩).
(٢) انظر: المقتبس من أنباء أهل الأندلس، ابن حيان (٢٠٢)، قضاة قرطبة، الخشني (٥٥).

<<  <   >  >>