للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

مسلمة ذات رسالة غيبية، وفي الوقت ذاته فإن استبعاد التفسيرات المادية الصحيحة قد يفرز في أحوال كثيرة تفسيرات تتسم بالبساطة والسذاجة، ومن المهم تقدير كل حالة بحسب زمانها ومكانها وأحوالها وأشخاصها، ومن الخلط الكبير ههنا أن تستنسخ الآليات التي أفرزتها العقلية الأوروبية المادية لتطبق على بيئات مغايرة تمامًا. ومن أمثلة ذلك التأثر بالنظرة الميكافيلية التي ترى أن القوى المحركة للتاريخ هي المصلحة المادية والصراع حول السلطة فحسب، ولئن نجح هذا النوع من التفسير في تحليل الكثير من أحداث التاريخ الأوروبي، فإن استصحابه لتحليل التاريخ الإسلامي سينطوي على فساد كبير وخطأ واضح.

والحكام والسلاطين في تاريخ المسلمين القديم مع ما قد يصدر عنهم من ظلم وبغي وعسف وقهر وأكل للأموال بالباطل، فيحفظ التاريخ لهم أيضًا-من حيث العموم-أنهم: (حضروا المساجد مع الرعية وفتحوا لهم الأبواب. يكرمون الزائر، ويحترمون العالم، ويجلون الفقيه. يسمعون منهما النصح والإرشاد، ويتقبلون المحاسبة والإنكار. أما الجهاد في سبيل الله فقد كان رائدهم، لم يتخلوا عنه في أحلك الظروف التي مرت بهم) (١)، فهم في هذا كآحاد المسلمين الذين يخلطون عملًا صالحًا وآخر سيئًا، غير أن آثار أعمالهم تعم وتعظم أثرها في الخير والشر (٢).


(١) انظر: الإسلام بين العلماء والحكام، عبد العزيز البدري (١٥) وما بعدها، فقد ذكر أمورًا لا بد من مراعاتها عند النظر في هذا الموضوع.
(٢) أفاض العز بن عبد السلام في هذا، انظر: قواعد الأحكام (١/ ١٩٨).

<<  <   >  >>