للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وعند النظر في سيرة الأئمة الأربعة المتبوعين فإنه يمكن ملاحظة أنهم كانوا أقرب إلى هذا الموقف من بقية المواقف (١)، بل إن هذا الموقف كان موقفًا سائدًا عند كثير من الفقهاء الكبار، وقصصهم في ذلك مشهورة جدًا، ولها دلالتها الظاهرة على حرص هؤلاء الأئمة على النصيحة الإيجابية من جهة، وعلى الإنكار من جهة أخرى، وعلى تفطنهم ويقظتهم تجاه أي محاولة لاستغلال مكانتهم أو علمهم من قبل السلطة. ولعل من المناسب ذكر شواهد تدل على هذا المعنى، فمن ذلك ما يأتي:

مرض فقيه مصر يزيد بن أبي حبيب (ت ١٢٨ هـ) فعاده الحوثرة بن سهيل أمير مصر فقال: يا أبا رجاء، ما تقول في الصلاة في الثوب وفيه دم البراغيث؟ فحول يزيد وجهه ولم يكلمه، فلما قام نظر إليه يزيد وقال: تقتل كل يوم خلقًا وتسألني عن دم البراغيث؟! (٢).

وقال أبو جعفر المنصور (ت ١٥٨ هـ) لسفيان الثوري (ت ١٦١ هـ): عظني يا أبا عبد الله، فقال: وما عملت فيما علمت فأعظك فيما جهلت؟ (٣).


(١) انظر: مع الأئمة، د. سلمان العودة (٢٣)، السلطة الثقافية والسلطة السياسية، د. على أومليل (٤٧)، مقدمة في التاريخ الاقتصادي العربي، د. عبد العزيز الدوري (٤٢).
(٢) انظر: تذكرة الحفاظ، الذهبي (١/ ١٢٢).
(٣) انظر: العقد الفريد، ابن عبد ربه (٣/ ١٠٩).

<<  <   >  >>