للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ويروى أن الإمام مالكًا (ت ١٧٩ هـ) لم يكن يخضب، فقال له بعض ولاة المدينة: ألا تخضب؟ فقال له: ما بقي عليك من العدل إلا أن أخضب؟ (١).

وعلى كلِّ فإنه لا بد من إدراك أنه إذا كان للفقهاء منطقهم فإن للخلفاء والسلاطين موقفهم ومنطقهم أيضًا، وكان هذا المنطق يعمل على الموازنة بين شرعية الدولة وقيامها بوظائفها الدينية وبين ما تدعو إليه طبيعة الملك من الاستئثار بالقرار ونفوذ الرأي والتسلط على المال والثروة، وهذه الموازنة تتطلب أن تبقى للشريعة هيبة محفوظة ورهبة قائمة، كما أن الموازنات الاجتماعية ذات الطبيعة الراسخة في البيئات الإسلامية كانت تتضمن قيودًا تحجز الحاكم عن إرسال يده كيفما يشاء، وكان الخلفاء والملوك والسلاطين يدركون هذا جيدًا، وإن غاب إدراكه عن كثير من المعاصرين الذين يُخلِّطون جدّاً عندما يقيسون الماضي إلى الحاضر.

ومن الإشارات التي توضح هذا على سبيل المثال العابر، ما اشتهر من قول المأمون (ت ٢١٨ هـ): لولا مكان يزيد بن هارون لأظهرت القرآن مخلوق (٢).

وذكر في ترجمة الإمام عبد الله بن المبارك (ت ١٨١ هـ) أنه قدم مرة إلى الرقة وبها هارون الرشيد، فلما دخلها انجفل الناس


(١) انظر: الذخيرة، القرافي (١٣/ ٢٨٢).
(٢) انظر: تاريخ الإسلام، الذهبي (١٤/ ٤٥٧).

<<  <   >  >>