عندما نتأمل مليًا في هذه المظاهر التي تذكر فإن من الممكن أن نجعلها على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: مظاهر متحققة ونافعة بالفعل، ولها أثرها الواضح في النهوض بحالة الفقه المعاصر. ومن أمثلة ذلك تيسر سبل التقاء الفقهاء وتواصلهم باختلاف بلدانهم ومذاهبهم، من خلال المجامع الفقهية والملتقيات الفقهية المختلفة من ندوات ومؤتمرات ونحوها، وما يترتب على ذلك من اجتهاد جماعي ومن تفهم للآراء وقربٍ لزوال اللبس الذي ينشأ عن بعد الشقة وتسلسل الوسائط.
القسم الثاني: مظاهر متحققة من جهة الوجود إلا أن سبب وجودها لم يكن منبعثًا من بنية الفقه ذاته، بل هو إفادة من مظاهر النهضة الحديثة وأدوات الحداثة المعاصرة على وجهٍ قد يكون فيه نفع غير مكتمل، أو على وجهٍ يترتب عليه نوع آخر من الفساد.
ومثال الأول: ما سبق ذكره من نشأة الجامعات والكليات والمعاهد الشرعية والفقهية، فإنها بالرغم مما ترتب عليه من الخير الكثير إلا أن هذا النفع قل أن تترتب عليه نهضة في بنية الفقه ذاته بتحسين وظائفه ومقاصده العليا، فالتآليف وطرائق التدريس والبحث لم يتناسب تقدمها تناسبًا طرديًا مع تقدم الوسائل والأدوات الحديثة، بل ظلت من حيث العموم على ذات المنوال الذي كانت عليه فيما يسمى بعصور الانحطاط، بل إنها في أحوال كثيرة تكون أقل كفاءة من حيث جودة المخرجات وسِداد