الوظائف، فما يؤلفه فقيه من فقهاء ما يسمى بعصر الانحطاط يعكف عليه الجماعة من الباحثين السنوات ذوات العدد ليخرجوه في النهاية إخراجًا هزيلًا. ثم يوصف إخراج التراث الفقهي بأنه مظهر من مظاهر النهضة، فأي العصرين أولى باسم النهضة بهذا الوجه من النظر؟
ومثال الثاني: ما ذكر في المظاهر من التحرر من أسر التعصب المذهبي، فإن التعصب أمر مقيت وترتبت عليه فتن ومفاسد لا تزيغ عنها عين متصفح لكتب طبقات الفقهاء. وقد خف هذا التعصب كثيرًا في العصر الحديث حتى بات الفقيه يتعجب من بعض الحكايات المنقولة وينسبها إلى المبالغة. غير أن هذا التحرر أفرز ظاهرة أخرى مقيتة تمثلت في ازدراء فقه المذاهب والنظر إليه على أنه مبتوت الصلة بالأدلة الشرعية المعتبرة، وأن كلام الفقهاء يغلب عليه الحشو والتكلف والافتراض والتعقيد والعزلة عن الحياة الخارجية التي يعيشها الناس، إلى مزاعم أخرى نتجت عن هجران المدونات الفقهية وعدم تصور ما تضمنته من أحكام ومسائل واستدلالات واستنباطات وامتداد منهجي، وهذه النظرة تمثل في حقيقتها كسرًا للعمود الفقري الذي به تقوم كافة علوم الشريعة، ولذا فإن كثيرًا من المتفقهة الذين يسلكون هذه السبيل يخرجون من النظام إلى الفوضى من حيث أرادوا الخروج من الفوضى إلى النظام. وبهذا نلاحظ أن بعض هذه المظاهر كان من المفترض أن تؤدي لنهضة فقهية لو كان لها من يرشِّدها لئلا تضطرب في وجوه الفساد من طرف إلى طرف.