للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

كانت الحالة قبل أعوام أدهى وأمر مما هي الآن، إذ كان أمر الدين في الأمة موكولًا إلى طائفة من الفقهاء الجامدين، لا يفهمون من حقائق الدين ولا من أسراره شيئًا ولا يعلمون من لغته إلا قشورًا، فكانوا يسيئون الظن بالمثقفين ثقافة أوروبية ويحكمون عليهم بالخروج من الدين ويشوهون سمعتهم عند الأمة. يتولد من ذلك في نفوس جمهور الأمة نفور مستحكم منهم وسوء ظن بأعمالهم، وذهب خيرهم في شرهم وحقهم في باطلهم، فلا يرضون على أعمالهم ولو كانت صالحة لقيام التهمة، ولا يثقون بأقوالهم ولو كانت سديدة لعروض الشبهة. ولكن منذ قامت الحركة الإصلاحية على أيدي رجال مثقفين ثقافة إسلامية حقيقية عالية، عارفين بمقتضيات الحياة في كل عصر قادرين على تطبيق الدين مع الاجتماع مع الحضارة، عارفين بأقدار الرجال وقيم معارفهم، مطلعين على أسباب التقدم والانحطاط، مشاركين في معارف العصر، وناهيكم بإمام النهضة الجزائرية عبد الحميد بن باديس رحمه الله، فمنذ ذلك الحين خفت تلك النزعة البغيضة بخذلان الداعين إليها، وتولد في الأمة شعور جديد بقيمة المثقفين بالثقافة الأوروبية وبأنهم من أبناء الأمة، وأن الواجب الانتفاع من آرائهم والاستفادة من مواهبهم) (١).


(١) آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي، جمع د. أحمد طالب الإبراهيمي (٢/ ١٢٧).

<<  <   >  >>