للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

إن الأمة متى كانت في حال عزة ومنعة وقوة كان تعليمها بمثابة الوقود لفاعليتها ونهضتها، وكذلك كان حال التعليم الفقهي في الأدوار الأولى للحضارة الإسلامية، يوم أن كان الفقه حيًا والحياة نضاخة بالأسئلة التي تستفز الفقهاء للبحث والاجتهاد والتجدد، فإن العلم ما لم يُستخرج بالسؤال والحاجة له فإنه ينسى، وقد قال عروة بن الزبير (ت ٩٤ هـ) مرةً لابنه هشام: (إني والله ما يسألني الناس عن شيء حتى لقد نسيت) (١)، ولما كانت الحضارة في إقبال والدين في انتشار وامتداد كان الاجتهاد الفقهي في أوجه، وفي تلك الأدوار نهض الأئمة العظام وتأسست المذاهب الكبرى في فهم الشريعة والاجتهاد فيها، وكانت حركة التعليم والتفقه والتفقيه على أحسن أحوالها؛ لأن الفقه كان على أحسن أحواله، ولا يمكن في بدائه التجارب والسنن أن يوجد ذلك النجاح والإبداع في المجال التشريعي ما لم يكن ثمت نجاح وإبداع في المجال التعليمي والتربوي (٢).

أما إذا كانت الأمة في حال ضعف وذلة فلا تكاد تفارقها حالة التخوف والحذر، ومن ذلك خوفها من الإصلاح وتهيبها من دخول الفساد باسم الإصلاح، وقد كان المتعين المبادرة إلى الإصلاح يدافع من الذات فإن الإصلاح أمر لا بد منه ولا محيد عنه، والتخوف من كل مبادرة إصلاحية لا تزيد الداء إلا تجذرًا


(١) جامع بيان العلم وفضله، ابن عبد البر، باب في ابتداء العالم جلساءه بالفائدة (٧٤٨).
(٢) انظر: منهاج تدريس الفقه، د. مصطفى صادقي (٣١).

<<  <   >  >>