وتمكنًا، وهناك شواهد كثيرة تدل على أن مساعي الإصلاح في مجال التعليم الشرعي كثيرًا ما يقابلها العلماء بالتوجس والحذر من أن يكون ذلك ذريعة إلى تبديل الدين والعبث بأحكام الشريعة، ومع أن مثل ذلك قد يحدث إلا أن الحل لا يكون موقفًا سلبيًا، بل بمبادرات العلماء إلى الإصلاح وتبصرهم لفساد التعليم وأسبابه وتقديم المصالح العامة على الخاصة والمتحققة على المظنونة، وهذه النزاعات بين من يسمون دعاة التجديد ودعاة المحافظة تستهلك الكثير من الجهد والوقت والمال والعافية، ولو صرف بعضها في الإصلاح المتفق عليه لأفضى إلى خير كثير، وقد جرت في الأزهر والزيتونة وغيرهما حكايات في ذلك يطول منها العجب (١).
إن إصلاح التعليم الفقهي ضرورة ملحة، والحاجة إليه ماسة وعاجلة، والتساهل في ذلك مجلبة لفساد الأحوال؛ لأن الدين قوة متجذرة في بلاد المسلمين ووجدانهم وطبائعهم وأخلاقهم، والفقه يمثل حركة هذه الأمة وعطاءها، والفقهاء هم الذين يعلمون الناس ويوجهون مسارات التدين فيهم، فإذا لم يكن الفقهاء بالقدر الذي يؤهلهم لتلك الوظائف وقلَّ الفقه فيهم فذلك إيذان بالخراب. وهذا الخراب لن يعود على الفقهاء وحدهم بل إن المجتمع كله سيتجرع مرارته وغصصه، كما أن المجتمع كله مسؤول عن دفع حالة الفساد هذه ورفعها؛ لأن الفقه الحق يحمل