للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الناس على سنن التوسط والانحراف عنه بالغلو أو بالجفاء يسبغ المشروعية على أشكال مجافية لحقائق الشريعة، ورسوخ مثل هذه المفاهيم له آثاره الوخيمة على المجتمع.

لقد كانت البيئة التي نشأ فيها الفقه في أدواره الأولى بيئة ولادة تعين المتفقه وتدعم الفقيه، بحيث تنبعث في الناس النُّهمة لطلب العلم والحرص على الفقه في الدين، وما أكثر ما نجد في تراجم أئمة الفقهاء الدعم النفسي والمادي الذي يتلقونه من أبويهم لأجل الانشغال بالتعلم والتفقه (١)، كما أن البيئة الاجتماعية برمتها كانت مشجعة على ذلك ومحفزة له، فسوق العلم رائجة، وللفقه رونقه وبهاؤه، والأوقاف تتكفل بدعم المدارس والمعلمين والطلبة (٢). وفي حالة ضعف الدعم المادي فإن النفوس يقوم بها من الدافع الذاتي ومحبة العلم ما يحملها على التعلم مع ضيق الحال، ويعبر عن هذا ابن سعيد المغربي (ت ٦٨٥ هـ) فيما ينقله عنه الشهاب المقري (ت ١٠٤١ هـ) فيقول: (وأما حال أهل الأندلس في فنون العلوم فتحقيق الإنصاف في شأنهم في هذا الباب أنهم أحرص الناس على التميز، فالجاهل الذي لم يوفقه الله للعلم يجهد أن يتميز بصنعة، ويربأ بنفسه أن يرى فارغًا عالةً على الناس؛ لأن هذا عندهم في نهاية القبح، والعالم عندهم معظّم من الخاصة والعامة، يشار إليه ويحال عليه، وينبه قدره وذكره عند


(١) انظر على سبيل المثال: الجامع، الخطيب البغدادي (١/ ٣٨٤).
(٢) انظر: التربية والتعليم في العراق حتى نهاية العصر العباسي، د. بشار عواد معروف (٨٦).

<<  <   >  >>