للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الناس، ويكرم في جوار أو ابتياع حاجة وما أشبه ذلك. ومع هذا فليس لأهل الأندلس مدارس تعينهم على طلب العلم، بل يقرؤون جميع العلوم في المساجد بأجرة، فهم يقرؤون لأن يعلموا لا لأن يأخذوا جاريًا، فالعالم منهم بارع لأنّه يطلب ذلك العلم بباعث من نفسه يحمله على أن يترك الشغل الذي يستفيد منه، وينفق من عنده حتى يعلم، وكل العلوم لها عندهم حظ واعتناء) (١)، بل لقد كان بعض فقهاء المغاربة يرى أن بناء المدارس فيه إفساد للتعليم؛ لأنه قد يتصدر فيها غير الأكفاء بالتوارث والرئاسات والحرص على الجرايات والأوقاف لا على العلم والتعليم (٢).

وقد كان الفقيه في تلك البيئة الحية في أدوار الفقه الأولى تثبت أهليتُه من خلال تميزه وجدارته لا من خلال تعيين رسمي أو وراثة لمنصب علمي، وربما حاز شهادة تميزه من شيوخه في العلم والفقه فأحالوا إليه وأرشدوا إلى الأخذ عنه.

كان أبو هريرة رضي الله عنه يقول: تسألوني وفيكم عمرو بن أوس؟ (٣).

وقدم ابن عمر رضي الله عنه مكة فسألوه فقال: تسألوني وفيكم ابن أبي رباح؟ (٤).

وكان ابن عباس رضي الله عنه يقول لأهل البصرة: تسألوني وفيكم


(١) نفح الطيب، المقري (١/ ٢٢٠).
(٢) انظر: نيل الابتهاج بتطريز الديباج، أحمد بابا التنبكتي (٤١٤).
(٣) انظر: السُّنِّة، عبد الله بن الإمام أحمد (٢/ ٥٠٠).
(٤) انظر: طبقات الحفاظ، السيوطي (٤٦).

<<  <   >  >>