للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

مما يتغياه الفقهاء، لا سيما إذا انبنت عليه وجوه معاشهم وشؤون حياتهم، وأخبار أهل العلم في ذلك مشهورة ومستفيضة.

والناس إمام عامة وإما فقهاء أو سالكون لسبيل التفقه، فالعامة يجرون في أحوال تدينهم وتعبدهم على ما مضى عليه العمل في بلادهم مما أقره الفقهاء وعلموهم إياه. يقول ولي الله الدهلوي (ت ١١٧٦ هـ): (وكان من خبر العامة أنهم كانوا في المسائل الإجماعية التي لا اختلاف فيها بين المسلمين أو جمهور المجتهدين لا يقلدون إلا صاحب الشرع، وكانوا يتعلمون صفة الوضوء والغسل والصلاة والزكاة ونحو ذلك من آبائهم أو معلمي بلدانهم فيمشون حسب ذلك، وإذا وقعت لهم واقعة استفتوا فيها أي مفت وجدوا من غير تعيين مذهب) (١).

وأما الفقهاء والمتفقهون فقد جرت عادتهم بعد استقرار المذاهب على أن يسلك دارس الفقه بعض هذه المذاهب فيتفقه بها، لا سيما مذهب شيوخه وما جرت عليه أحوال أهل بلده؛ لأن مخالفته لذلك قد يفضي إلى زعزعة شيء من الأحوال الراسخة، وهي أحوال صالحة على وجوه معتبرة، ولو ظلت أحوال الناس تتنقل بحسب رأي كل مفتٍ يظهر فيهم أو قاض يتولى عليهم لأدى ذلك إلى فساد واضطراب، ومع ذلك فإن هذه المذاهب التي حفظتها الأمة وتناقلتها جيلًا بعد جيل تكاد تستوعب طرائق فهم الشريعة، وهؤلاء فقهاء الأمة وعلماؤها


(١) حجة الله البالغة، الدهلوي (١/ ٢٦٠).

<<  <   >  >>