للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

جدًا؛ لأنهم لم يكونوا يتعجلون الفتيا قبل أن يقلِّبوا النازلة على كافة وجوهها ويضعوها في موضعها الملائم من البنيان التشريعي الذي يشكل مذهبهم ومنهجهم الاجتهادي، في الحين الذي يتجرأ فيه عليهم من تعلق بطرف من العلم فحسب فيه العلم كله.

قال عمير بن سعيد (ت ١١٥ هـ): سألت علقمة (ت ٦٢ هـ) عن مسألة فقال: ائت عَبيدة (ت ٧٢ هـ) فسله، فأتيت عبيدة فقال: ائت علقمة، فقلت: علقمة أرسلني إليك، فقال: ائت مسروقًا (ت ٦٢ هـ) فسله، فأتيت مسروقًا فسألته، فقال: ائت علقمة فسله، فقلت: علقمة أرسلني إلى عبيدة، وعبيدة أرسلني إليك، قال: فأت عبد الرحمن بن أبي ليلى (ت ٨٣ هـ)، فأتيت عبد الرحمن بن أبي ليلى فسألته فكرهه، ثم رجعت إلى علقمة فأخبرته، قال: كان يقال: أجرأ القوم على الفتيا أدناهم علمًا (١).

وهذه المعاني الأخلاقية والسلوكية لا يجوز أن تغيب عن ذهن الفقيه في تعليمه ولا المتفقه في تعلمه، فإن الغفلة عن تربية المتفقه عليها أثناء تفقهه قد تورث إعجاب كل ذي رأي برأيه مع بطر الحق الذي عند غيره وغمط أهل العلم فضلهم وسابقتهم، وهذا يعود بالضرر على العلم ذاته.

ومتى تقررت هذه المقدمات علمنا أن نقل الناس عما هم فيه من الأحوال الصالحة المستقيمة ولو في بعض المذاهب ليس


(١) الفقيه والمتفقه، الخطيب البغدادي، باب القول في السؤال عن الحادثة والكلام فيها قبل وقوعها (٦٤٢).

<<  <   >  >>