للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

باختلاف أزمنتهم وأمكنتهم كالمطبقين على التفقه بهذه المذاهب لا على وجه حصر الحق فيها أو الغلو في أئمتها (١)، بل على أنها مناهج للفهم لا تكاد طرائق المجتهدين تخرج عنها، وهذا ما أراده ابن المنيِّر (ت ٦٨٣ هـ) بقوله: (إحداث مذهب زائد بحيث يكون لفروعه أصول وقواعد مباينة لسائر قواعد المتقدمين متعذر الوجود، لاستيعاب المتقدمين سائر الأساليب) (٢)، وابن برهان (ت ٥١٨ هـ) بقوله: (أصول الأدلة وقواعد المذاهب منقولة عن السلف) (٣).

وهذا الفهم المطمئنُّ لطبيعة المذاهب وعلاقتها ببعضها يبعث في نفس المتفقه السكينة والثقة وحسن الظن بعلماء الأمة وفقهائها، ويحمله على التماس الأعذار والمخارج لهم فيما يخالفهم فيه مما يذهبون إليه، ويجعل من أصل الاعتصام والاجتماع الإيماني الذي جاءت به الشريعة مبدأ راسخًا في نفسه لا تخرمه موارد الخلاف السائغ، بل يقدمه عليها عند التعارض.


(١) رد ابن أبي زيد القيرواني (ت ٣٨٦ هـ) ردًا شديدًا على الذين يستدلون بقوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: ٣١] على إبطال اقتداء الناس بعلمائهم، وبين فساد هذا الاستدلال وقبحه. انظر: الذب عن مذهب مالك (١/ ٢٦٨).
(٢) جاء النقل عنه في: البحر المحيط، الزركشي (٦/ ٢٨٥)، وانظر: الرد على من أخلد إلى الأرض، السيوطي (٣٩).
(٣) الوصول إلى الأصول، ابن برهان (٢/ ٣٥٢)، ولمزيد بسط لهذا المعنى راجع: منهج البحث والفتوى في الفقه الإسلامي بين انضباط السابقين واضطراب المعاصرين، مصطفى بشير الطرابلسي (١٦٧).

<<  <   >  >>